لم تتأثر أعمال حرس الحدود بالطبيعة الجغرافية الصعبة للمناطق الجبلية، ولم تنطل حيل المهربين والمتسللين على رجال نذروا أنفسهم لخدمة وطنهم، بل حولوا الصعب إلى سهل، والحيل إلى كمائن لكل من يريد بالوطن سوءا، فتحققت النجاحات الأمنية التي جاءت ثمرتها إحباط عمليات تهريب حشيش بكميات كبيرة في محاولة للقضاء على مستقبل الشباب، والقبض على بعض المطلوبين للعدالة. ورغم العوائق التي كانت في السابق تعطي الفرصة للمخالفين في تجاوز الحدود من خلال طرق قد تغيب عن أنظار الدوريات، إلا أن الضرورة اقتضت فرض رقابة للسيطرة على هذه المواقع التي تتشكل في القمم العالية والهضاب المنحدرة والشعاب والأودية والغابات، من خلال تحديد عدة مواقع مسيطرة لإنشاء أبراج مراقبة عليها، وفتح الطرق الجبلية الصعبة للوصول إليها، ومن بين هذه المواقع رقابة الظهر المطلة على سد وادي نجران، والتي تكشف مساحات جبلية واسعة باتجاه الحدود اليمنية المحاذية للحدود السعودية، وتعمل وسط ظروف صعبة، يضاف إلى كل ذلك تضحيات رجال هذا القطاع الذين نذروا أنفسهم، للذود عن حياض الوطن من خلال المساهمة في بسط نفوذهم على طول الحدود، يدفعهم إلى ذلك المتابعة المستمرة من مدير عام حرس الحدود الفريق الركن زميم بن جويبر السواط، والدعم اليومي المتواصل من قائد حرس الحدود بمنطقة نجران اللواء محيا العتيبي. لم تأت هذه المعلومات من قيادات حرس الحدود الذين تركوا لنا الحديث عن أعمالهم، بل ويرفضون لغة المديح أو التمجيد، وإنما جاءت عن طريق متسلل أفريقي قبضت عليه إحدى الدوريات أثناء جولتنا في أحد المواقع الجبلية الصعبة. التقيته منهكا بعد رحلة مضنية من الداخل اليمني كان يعتقد بأنها ستكون سهلة، وفق المعلومات التي استقاها من أبناء جلدته، حيث أكد لي بأنه بدأ رحلة التسلل وفي ذهنه شبه خارطة للمواقع التي يمكن له المرور من خلالها، بل ويعتقد بأنها ستكون بعيدة عن أنظار رجال حرس الحدود، مضيفا وهو يبدي لي ندمه على قبوله لهذه المغامرة «بعد أن وقعت في قبضة رجال دوريات حرس الحدود أيقنت بأنهم يقرؤون أفكارنا ويكشفون خططنا، وأننا واهمون إذا فكرنا بتمرير حيلنا عليهم». وسألني بألم «كيف يعاملنا رجالكم بهذه الطيبة ونحن من نضمر لهم الشر؟»، مضيفا «ألا تعلم بأننا لو امتلكنا السلاح لما ترددنا في استخدامه من أجل تحقيق أهدافنا والدخول إلى أراضيكم؟». رقابة الظهر عبر طريق جبلي وعر ومخيف، وقبل مغيب الشمس أخذت سياراتنا طريقها لمركز رقابة الظهر، وحاولنا التوقف لالتقاط بعض الصور للطريق، إلا أن سائق السيارة التي أقلتنا أخبرنا بأنه لا يستطيع التوقف أثناء الصعود وأن بإمكاننا ذلك أثناء العودة لأن عملية النزول مريحة أكثر، فرضخنا للأمر الواقع وواصلنا عملية الصعود، وما إن وصلنا حتى استقبلنا قائد المركز الملازم أول سعد الغامدي الذي أوضح بأن طبيعة عمل المركز تقتضي تحريك دوريات ورقابات ومسح، مع الاعتماد ليلا على الكاميرات الحرارية والكمائن، توزع حسب الحاجة، ووفق ما يتوفر لدينا من معلومات، إضافة للدوريات الراجلة المكونة من ثلاثة أفراد لمسح الأثر والتأكد من عدم عبور أي مهرب أو متسلل في أسرع وقت ممكن، وتعقبه إلى أن يتم القبض عليه، وبين أن عملية الاتصال مع قائد القطاع تتم عن طريق أجهزة «الثريا» لإبلاغه عن أي مقبوضات أو مواجهات محتملة، مشيرا إلى أن طبيعة المساحات الواقعة في نطاق عمل المركز لم تؤثر على أداء الدوريات، بدليل أن المقبوضات عن طريق المركز كانت جيدة ومحققة للتطلعات. وقال: كانت آخر عملية قبل زيارتكم بساعات حيث تم القبض على خمسة مهربين وبحوزتهم كميات من الحشيش، حيث تم اكتشافهم عن طريق الكاميرا الحرارية ليلا، وبعد أن شعروا بأنهم مرصودون اختبأوا وسط الأشجار، وتمت مراقبتهم بدقة، وفي الفترة الصباحية كلفت دورية راجلة بمتابعة تحركاتهم إلى أن تم القبض عليهم، وتم تبليغ قائد قطاع سقام بهذه العملية الناجحة ولله الحمد. وأوضح قائد المركز أنه يتم القبض على أعداد كبيرة من المتسللين عن طريق نصب الكمائن والمعلومات التي يتم رصدها والاستعانة بها، مؤكدا أن المساحة المكشوفة باتجاه السد لم تؤثر على عمليات القبض، بل كانت عاملا مساعدا في تصيد المتسللين والمهربين لأن الخطط التي وضعت تكثف مسار الدوريات الراجلة والكمائن في هذه المساحات، الأمر الذي جعل هذه المساحة مصدر خوف وقلق لكل من يحاول الدخول للأراضي السعودية. وقال إن مهربي الحشيش غالبا ما يكلفون أحد الأفراد بالقيام بعملية مسح للمواقع التي يمكن الدخول منها، ويكون مرتبطا بأفراد العصابة بالهواتف المحمولة، أو بعلامات وإشارات متفق عليها للتحرك، وهذه أمور لم نعد نجهلها، بل نلجأ أحيانا إلى إعطاء الفرصة للمكلف بعملية المسح بالدخول وإتاحة الفرصة له لكي يطمئن أفراد العصابة بالدخول ليتم القبض على الجميع بمهرباتهم من خلال الكمائن المتقنة التي نجحت كثيرا ولله الحمد في الإيقاع بهؤلاء المهربين بحمولاتهم، وأوضح أن بعض المهربين يستخدمون بعض الأفارقة لحمل مهرباتهم بمبالغ زهيدة ويوهمونهم بأن الطريق سالك وأنهم لن يقعوا في قبضة دوريات حرس الحدود، مشيرا إلى أن حدود مسؤوليات المركز ستغطى بالشبك الحديدي «كنسرتينا» قريبا ليشمل المساحة المكشوفة أمام السد. العلاقة بالرعاة وأوضح الملازم أول سعد الغامدي، بأنه يتم التعامل مع الرعاة القريبين من الحدود والذين يسكنون الهجر اليمنية بأفضل ما يمكن مع حفظ هيبة الحدود، وأنهم يدركون بأننا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاوز وأن تعاملنا معهم حسن، ولكن في نفس الوقت لن نتسامح مع أي شخص يتواطأ مع مهرب أو متسلل، حتى أنهم يعودون إلى منازلهم قبل مغيب الشمس استجابة لرغباتنا وحفاظا على العلاقة الجيدة معهم. وتناول النقيب علي القحطاني الحديث، وقال إن هذا المركز من أحدث المراكز، وأنشئ بجهود ذاتية من قيادة حرس الحدود، وإضافة إلى دور المركز في عملية إحكام السيطرة على الحدود يعمل على تأمين السد الذي قد يكون مستهدفا من البعض. الخطوط الخلفية قبل مغيب الشمس، غادرنا مركز رقابة الظهرة بعد أن تجولنا في أرجائه، وتعرفنا على حدود مسؤولياته، وطبيعة العمل من خلاله، وتوجهنا إلى مركز بئر عسكر أحد الخطوط الخلفية المساندة لقطاع سقام، عبر طريق «الظهرة» المؤدي إلى منطقة عسير، حيث استقبلنا قائد المركز المقدم مبارك القحطاني، الذي كان يستعد للإشراف على تكميل الدوريات المتحركة والراجلة لبدء مهمتها في الفترة المسائية، عبر جبال وعرة، ومرتفعات شاهقة. وأوضح لنا العقيد القحطاني بأن مركز بئر عسكر يعتبر خطا خلفيا مساندا مضى على إنشائه عام واحد فقط، مشيرا إلى أنه يؤمن أي تجاوزات من الخطوط الأمامية لقطاع سقام، وقال بأن التقنيات الحديثة أسهمت كثيرا في الحد من عمليات تهريب المخدرات وحالات التسلل، التي أصبح الأفارقة جزءا كبير منها، مبينا أن عدد من يتم القبض عليهم يوميا يتجاوزون 130 متسللا. وقال القحطاني إن المتسللين وتحديدا الأفارقة يضعون خططهم للدخول إلى الأراضي السعودية معتمدين أحيانا على ضعاف النفوس، بعد أن يأخذوا قسطا من الراحة في بعض المواقع لاسترداد أنفاسهم، ومن ثم البدء في التوجه إلى الحدود، مشيرا إلى أنهم كثيرا ما يقعون في قبضة دوريات حرس الحدود التي أصبحت على دراية بحيلهم وخدعهم التي يعتقدون بأنها ستنطلي على المرابطين على الحدود. القضاء على التسلل وأوضح المقدم القحطاني بأنه تم القبض على أكثر من سبعة آلاف متسلل خلال عام واحد فقط، وهذا يؤكد بأن القرار الذي اتخذ بإنشاء هذا المركز كخط خلفي كان قرارا صائبا، مبينا أن أكثر المهربات التي يتم القبض عليها في حدود مسؤوليات المركز هي الحشيش والتي وصلت خلال عام إلى أكثر من طن، مبينا أنه تم القبض على أكثر من ثمانمائة مهرب خلال عام. وأضاف قائد مركز بئر عسكر بأن طبيعة العمل صعبة جدا تتم من خلال جبال شاهقة وأودية سحيقة، إلا أنه عاد وأكد أن أفراد المركز مدربون وذوو كفاءة عالية تمكنهم من التعامل مع المهربين والمتسللين ورصدهم وتعقبهم، والانتقال من جبل إلى آخر وبمسافة كيلو واحد فقط قد يحتاج إلى ساعات، إلا أن الاعتماد على الكمائن الليلية التي يقدم من خلالها أفراد حرس الحدود أرواحهم من أجل حماية أمن الوطن نجحت في الإيقاع بكثير من كبار المهربين والمتسللين، مبينا أن الكمين يتكون من شخصين إلى ثلاثة أشخاص يرابطون في مكان واحد وسط الجبال وفي مواقع مخيفة وفي مرمى المجرمين لمدة تتجاوز الثمان ساعات، لا يتحركون من مواقعهم ولا يتحدثون إلا بالإشارة، ولا يصدرون أي أصوات لكي لا ينكشفوا لمن ينوون الدخول عبر الحدود سواء كانوا مهربين أو متسللين، وقال بأن هذه الكمائن أعطت النتائج المأمولة والنجاحات غير المتوقعة.