من الناحية الاستراتيجية، الملفت في عملية عاصفة الحزم العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن مع خمس من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن القرار بالتدخل لوقف الحوثيين عن التوسع جنوبا في اليمن لإسقاط الرئيس الشرعي لليمن وحكومته، ومن ثم إعلان سيطرة الحوثيين ووكلائهم الفرس على اليمن، كان خليجيا مئة بالمئة.. وأن الإعلان عنه وقيادته كانت سعودية، وكذا العبء الأكبر لعملياته العسكرية والسياسية تكفل به السعوديون. وسرعان ما صدر عن واشنطن ما يفيد بالدعم الاستراتيجي والسياسي لهذا العمل الجماعي من دول مجلس التعاون لإعادة التوازن والاستقرار في المنطقة. هذا الموقف الأمريكي لم يكن يتم بهذه الصورة الملفتة والحاسمة، وهو ضروري لإنجاح أي عمل عسكري على مستوى استراتيجي إقليمي كبير كعملية عاصفة الحزم، لولا الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها الدبلوماسية السعودية في ساحة السياسة الدولية. لا يمكن الإقدام على مثل هذا العمل العسكري الكبير دون توفر دعم دولي كبير لدولة عظمى عضوا دائما في مجلس الأمن مثل الولاياتالمتحدة تقبع في الخلفية الأممية لتوفير الدعم السياسي والمساندة الاستراتيجية اللوجستيكية، الضروريتين لإنجاح أي عمل استراتيجي مهم على المستوى الإقليمي مثل عملية عاصفة الحزم. الأمر الملفت الثاني، كان في عنصر المفاجأة. لسبب أو آخر، كما أن التجارب التاريخية، في مثل هذه القرارات الكبار، كان السيناريو: أن يتم حشد القوات الإقليمية والأممية على أرض المملكة قبل البدء في العمليات العسكرية، كما حدث في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت بداية تسعينيات القرن الماضي. ومما زاد الانطباع بأن عملية كبيرة مثل التدخل العسكري في اليمن للحؤول دون أن يسيطر الحوثي على اليمن ويأتي بالفرس إليه، بعد ما يقرب من خمسة عشر قرنا من خروجهم منه، وهو أمر يُعد خطرا استراتيجيا واضحا وحقيقيا وآنيا على أمن المملكة العربية السعودية ومن ورائها دول مجلس التعاون، سلوك المملكة المتأصل، بوصفها دولة محبة للسلام، بتفضيل العمل السلمي عن التسرع نحو اللجوء إلى الخيارات الأكثر عنفا. هذا السلوك النشط للمملكة على مسار العمل الدبلوماسي، حتى في أكثر القضايا تعقيدا وخطورة، أعطى الانطباع الخاطئ مع الوقت أن المملكة ليس لديها الرغبة في دخول ساحات الوغى! في وقت قصير نجد المملكة تحشد على حدودها مع اليمن 150 ألف جندي على أعلى مستوى من التدريب واللياقة والاستعداد النفسي لخوض الحرب للذود عن حمى حدودنا الجنوبية مجهزين بأحدث أدوات القتال النهاري والليلي ومستعدين، في لحظة، خوض غمار معارك طاحنة في أرض العدو نفسه، إذا ما قرر العدو مهاجمة مواقع تمركزهم على امتداد خط الجبهة مع اليمن الذي يزيد على ألف كيلو متر، بتضاريسه الوعرة. ليس فقط الاعتماد على تكتيكات الدفاع لخوض معركة عاصفة الحزم، بل يفاجأ العالم، ربما لأول مرة، بدخول مائة طائرة سعودية متجهة لمناطق استراتيجية منتقاه في مناطق مختلفة وفي عمق اليمن لتقصف مواقع قوات الحوثي في طول البلاد وعرضها، وفي وقت قصير تحسم المعركة بالسيطرة على الأجواء بفرض حظر جوي على طيران العدو فوق سمائه.. ومن ثمّ تُفشل، في الدقائق الأولى من الهجوم الجوي خطة الحوثيين وحلفائهم من قوات المخلوع علي عبد الله صالح الدخول أو حتى الاقتراب من عدن، حيث يقيم الرئيس الشرعي لليمن. تلك الملاحظات الملفتة في إدارة عملية عاصفة الحسم والتحضير لها عسكريا ودبلوماسيا والإقدام على تنفيذها بكفاءة وفاعلية عاليتين، دون الاستعانة بأية قوة إقليمية أو دولية غير التنسيق الدبلوماسي والسياسي والعسكري الوثيق مع خمس من دول مجلس التعاون، لأكبر دليل على ولادة قوة إقليمية قادرة على حماية ليس فقط أمن المملكة، بل وأيضا عمقها الإقليمي والإنساني في منطقة الخليج العربي، بل ومنطقة الجزيرة العربية. ومن هنا فإن إعلان دول شقيقة أو صديقة الانضمام لعملية عاصفة الحزم، فإن ذلك لا يخرج عن كونه مساندة عسكرية ودعما سياسيا، دونما يعني بالضرورة المشاركة في العمليات العسكرية، أو حتى التنسيق معها لبدء العمليات العسكري. في حقيقة الأمر كل الأشقاء والأصدقاء، الذين كانوا يتوقعون لهم دورا في الأزمة أو كانوا يظنون أن إشراكهم هم في العمليات ضرورة استراتيجية، نجدهم أنفسهم يفاجأون بجرأة وشجاعة القرار السعودي والخليجي بشن عاصفة الحزم... وهذا، بحد ذاته أعظم إنجاز لمن اتخذ قرار شن عاصفة الحزم، بتخطيط وتنسيق وتنفيذ عربي خليجي بقيادة سعودية صِرفة ذات إرادة شجاعة ماضية في معناه الاستراتيجي الأوسع: ولادة قوة إقليمية في المنطقة تساهم بإيجابية في إحداث التوازن المطلوب لاستقرارها وسيادة السلام ربوعها.