في رواية «كائن لا تحتمل خفته» ينقل كاتبها عبارة على لسان إحدى شخصيات الرواية يردد صائحا: (العيش في الحقيقة)، العبارة بليغة ومعبرة بشكل رائع عن أشياء كثيرة، ويذهب بتأويلها في أكثر من اتجاه، فيقصد بها بطل الرواية «فرانز» أن يعيش حياته الخاصة والعامة بشخصية ومنطق واحد، لأنه تعب من العيش بعالمين مختلفين. في وقتنا الحاضر فقدنا قيمة الإحساس الجميل بالحياة، أصبح الإنسان يعيش حالة صراع بين ما يحمله في نفسه من رغبات وأفكار وقيم، وبين الواقع الذي يدفعه ويجرفه في تيار محاكاة الآخرين، وهنا يحدث إما الهروب من المواجهة والاستسلام أو محاولة للتوافق بين الداخل والخارج. التباهي والاستعراض بالحياة الخاصة هي قضية ليست جديدة ولكنها في زمن العولمة - والعالم الذي أصبح كقرية صغيرة - صبغت بطلاء سحري جذاب وقع في شراكها الكثير من الأفراد برعاية وسائل التواصل الاجتماعي في ظل غياب هدف استعمال هذه الوسائل الممنوحة وانحراف المسار الذي وجد من أجلها! مشاركة الأحداث اليومية على انستقرام وفيسبوك وتويتر وواتساب.. لا تعدو كونها مشاركة وتبادل للمعلومات أو التسلية فحسب، بل ألزمت الكثير من الأشخاص ما لا يلزم من استعراض للهدايا التي استقبلها، وتصوير الطعام الذي أكله، وكشف الشهادات التي نالها، وتبيين إنجازاته التي تخصه وتخص عمله بشكل بحت، وإعادة تغريد المعالم التي زارها.. وإذا جئنا لحقيقة الأمر وجدنا أن (ضحية فقاعة المجتمع) يفعل ذلك إما لوجود نقص يلتمسه في نفسه، أو وسيلة لفرض ذاته على الآخرين، أو مجرد تقليد وتشبه كما يفعل الناس! هذا النمط السيئ في واقع الإنسان له أثره السلبي في حياته، تجعله لا يثق بمصداقيته مع نفسه ولا مع غيره، كما أنها تمنعه من تحقيق أهداف واضحة وملموسة، وتجعل قيمة الحياة عنده مشوشة، ومعنى الحياة مضطربة. كلمة أخيرة: تحرر من عبودية الاستعراض، وعش الحقيقة.