أكد المستشار الاقتصادي لوزير البترول والثروة المعدنية الدكتور ناصر الدوسري أن العوامل الجيوسياسية أثرت على أسعار النفط في الأسواق العالمية، وأن المملكة تعد أهم دولة منتجة منذ عام 1970م. وتوقع أن تستمر أهمية المملكة إلى عقود مقبلة، حيث تمتلك المملكة أكبر احتياطي بترولي في العالم يمثل 22 % من الاحتياطي العالمي، كما أنها واحدة من أكبر الدول المنتجة للبترول بالإضافة إلى روسياوالولاياتالمتحدةالامريكية. وفي دول منظمة الأوبك تنتج المملكة حوالي 30 % من مجموع إنتاج المنظمة و50 % من إنتاج دول الخليج العربي. لكنه أشار إلى أن أهمية المملكة للأسواق البترولية لا تكمن في حجم الإنتاج فقط، ولكن من خلال سياستها البترولية الهادفة إلى المحافظة على توازن الأسواق البترولية، حيث عملت المملكة ومن خلال التعاون مع الدول المنتجة والمستهلكة إلى الوقوف في وجه أي انقطاع في الإمدادات البترولية والحد من التقلبات السعرية الحادة. وتمكنت المملكة من الوصول لهذا الهدف من خلال الاستثمار في طاقة إنتاجية فائضة، جعلت المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك قدرة إنتاجية فائضة تمكنها من توفير الإمدادات في حالة الانقطاعات في الإنتاج من جراء التغيرات السياسية أو الكوارث الطبيعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال الأعوام القليلة الماضية كانت المملكة حريصة على استمرار تدفق الإمدادات البترولية لتعويض النقص في العرض العالمي من جراء انقطاع الإمدادات من عدة دول أهمها ليبيا، ونتيجة لذلك استقرت أسعار البترول في حدود 100 دولار للبرميل، ما ساهم في الحد من أي أثر سلبي على مسيرة التعافي الاقتصادي العالمي والذي يعد في طور الخروج من مرحلة الكساد التي اعترته منذ عام 2009م. وهذا الدور الحيوي الذي تلعبه المملكة من خلال المحافظة على توازن السوق البترولية ومن خلال استغلال طاقها البترولية عموما والطاقة الإنتاجية الفائضة خصوصا، يتم التقليل من أهميته من المراقبين للأسواق متى ما زاد المعروض العالمي من البترول أو تنامي الإنتاج من مناطق جديدة، كما حدث في السابق عندما زاد الإنتاج من بحر الشمال ومنطقة بحر القوزين في آسيا ومؤخرا من البترول الصخري من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقال لقد أثبت التاريخ أنه في حال انقطاع الإمدادات لم يتم تعويض النقص من هذه المناطق الجديدة، وإنما كانت المملكة هي الدول الوحيدة القادرة على سد هذه الفجوة والمحافظة على توازن السوق. وأشار إلى أن عدد البشر الحاصلين على أحد أنواع الطاقة الحديثة زاد من 3 إلى 5 مليارات نسمة، ولايزال هناك 2 مليار شخص لا يحصلون على أي نوع من الطاقة الحديثة. وأضاف «زاد الطلب العالمي على البترول خلال ال 15 سنة الماضية من 75 إلى 93 مليون برميل يوميا، يأتي معظم هذا النمو من الدول النامية وعلى رأسها الصين والهند ودول الشرق الأوسط». جاء ذلك خلال تناول الدوسري ورقة العمل الثانية تحت عنوان «المتغيرات والتحديات في الصناعة البترولية الدولية».. وزاد أنه في ظل هذا التوسع الاقتصادي والنمو السكاني، فإن العالم يُتوقع أن يستمر بطلب المزيد من الطاقة، وتشير التقديرات إلى أن النمو على البترول سيكون بحدود 1.1 مليون برميل يوميا خلال ال 15 سنة القادمة، وهذا بدوره سيؤدي إلى وصول الطلب العالمي على البترول لحوالي 110 ملايين برميل يومياً، أو حوالي 40 مليار برميل كل عام. أي أن العالم سيستهلك سنوياً ما يعادل كامل الاحتياطي البترولي لدول مثل نيجيريا. وقد أثبتت الصناعة البترولية في السابق أنها قادرة على تلبية الطلب المتزايد من خلال الاستكشاف الجديد والبحث والتطوير والتقنية.. فالعالم اليوم ينتج جزءا ليس بقليل من مكامن ومناطق بترولية كان في السابق من الصعب الإنتاج منها كالبترول الصخري في الولاياتالمتحدةالأمريكية والحقول البحرية العميقة في البرازيل والرمال البترولية في كندا. ولقد ساهمت السنوات الأخيرة في ظل بقاء أسعار البترول مرتفعة نسبياً على دعم زيادة المعروض العالمي من البترول إلى مستويات عالية، حيث أدت إلى تشجيع الاستثمارات البترولية في مكامن لم تكن ذات جدوى اقتصادية. فعلى سبيل المثال، حين كان الطلب العالمي على البترول خلال الخمس سنوات الماضية ينمو بحوالي مليون برميل، كانت الزيادة من البترول الصخري فقط، في ظل وجود الأسعار فوق حاجز 100 دولار للبرميل، تلبي كامل هذا النمو في الطلب. ونتيجة لهذا، لم يتجاوز الطلب على بترول دول الأوبك بما فيها المملكة مستوى 30 مليون برميل، إذ أدت زيادة المعروض إلى تنامي مستوى المخزونات التجارية العالمية لتتجاوز حاجز متوسط الخمس سنوات. وهذا يعني بموازين العرض والطلب السوقية، أن التوازن غير موجود، فإما أن يزيد الطلب ليمتص الفائض في المعروض، أو أن يقل حجم المعروض البترولي ليتناسب مع مستوى نمو الطلب، وهذا يحدث غالباً من خلال تصحيح سعري كما شهدنا مؤخراً. ففي حال انخفاض الأسعار، يتنامى الطلب العالمي على البترول حين تقل تكلفة الطاقة على المستهلكين، وفي نفس الوقت، تترشد الاستثمارات المتدفقة على القطاع البترولي، ما يؤدي إلى تقليص حجم المعروض المستقبلي من البترول، ولكن التوازن السوقي عادةً يأخذ بعض الوقت. وأشار إلى أن العوامل غير الأساسية مثل العوامل الجيوسياسية والمضاربة البترولية أثرت على مستويات الأسعار، فأحداث ما سمي ب «الربيع العربي» والحظر الاقتصادي على بعض الدول المنتجة أدى بدوره إلى دعم ارتفاع الأسعار رغم وفرة الإمدادات البترولية، كما أن المضاربة من قبل المستثمرين أدت إلى نزول أو ارتفاع الأسعار، وهو بدوره كان له تأثير لايمكن تجاهله. فعلى سبيل المثال خلال عام 2008م ارتفعت أسعار البترول إلى مستويات قياسية وصولاً إلى 147 دولار للبرميل متأثرة بعمليات الشراء القوية من هؤلاء المستثمرين المضاربين.