لا تسقني ماء الملام فإنني،، صب قد استعذبت ماء بكائي لا أظن أحدا استعمل لفظ الماء قدر استعمال العرب له، فجفاف بيئتهم وحرارة طقسها وندرة الماء فيها وغياب الأنهار والبحيرات عنها، جعل للماء قدرا عاليا من المكانة والأهمية في حياتهم. عبر العرب عن تعلقهم بالماء بأن جعلوا لمعظم الأشياء الجميلة أو ذات القيمة ماء ينساب ويتلألأ، فقالوا ماء الحياة، يكنون به عن الحيوية والنشاط، وماء الشباب يكنون به عن النضارة وبهاء الرونق، وماء الوجه يكنون به عن العزة والكرامة والحياء. وظهر أثر حبهم للماء في كثرة ذكرهم له في أحاديثهم وأشعارهم، فوصفوا الأنهار والعيون وتغنوا بخريرها وجمال جريانها وترقرق أشعة الشمس أو القمر فوق سطوحها، ولما صارت لهم قصور باذخة جعلوا فيها نوافير وشلالات يتساقط منها الماء. وإذا أثنوا على المرأة مادحين جمالها وبركتها وصفوها أنها (ماء السماء)، وإذا دعوا لما يحبون، دعوا بالسقيا، فقالوا: (سقى الله أياما) و(سقى الله زمانا)، ودعا البهاء زهير بالسقيا لأرض كان يلقى فيها الحبيبة: (سقى الله أرضا لست أنسى عهودها،، وياطول شوقي نحوها وحنيني)، ودعا أحمد شوقي بالسقيا للصبا المنصرم، فقال على لسان قيس مخاطبا جبل التوباد حيث كان في صباه يلتقي بليلى عند سفحه: (جبل التوباد، حياك الحيا،، وسقى الله صبانا ورعا). وبلغ من حب العرب الماء، أن عدوا الاستئثار به أنانية، حتى قال أبو العلاء المعري: (فلا هطلت علي ولا بأرضي،، سحائب ليس تنتظم البلادا) وقد علم الله سبحانه حقيقة ما أودعه في خلقه من حب للماء الذي جعل منه كل شيء حي، فكان أن جعل من جمال الجنة، وجود الأنهار الجارية {أنهار من ماء غير آسن}، وتكرر في القرآن ورود وصف الجنة بأنها (تجري من تحتها الأنهار). {والله خلق كل دابة من ماء}، {وكان عرشه على الماء}. ولأن الماء عنصر الحياة الرئيسي، وفقده نذير بالفناء، فإن الناس انشغلوا بالحفاظ على مصادره لتأمين حياتهم، فكانت وما زالت الحروب تنشب بسبب التنازع حول امتلاك مصادر الماء، وإذا كانت الحروب قديما تنشب للتنازع على امتلاك بئر فإنها الآن تنشب للتنازع على امتلاك نهر ومعبر في بحر. وبلغ من أهمية الماء في حياة الناس أن جعلوا له مكانا بارزا في طقوسهم التعبدية، وصار المطر في المناطق التي يشح فيها هطوله مطلبا قدسيا يسعى إلى التماسه الناس عبر تأدية شعائر دينية خاصة بطلبه على اختلاف أشكال العبادات. وفي العصر الحاضر خصص العالم المتقدم يوم الثاني والعشرين من شهر مارس في كل عام، للاهتمام بمراقبة نظافة الماء خشية تلوثه بشوائب تضر بصحة الإنسان، وظهرت الدعوات المتتالية لترشيد استعمال الماء، فشبح الجفاف يلوح منذرا بالقحط والعطش، مهددا بالهلاك إن لم يتعاون الناس فيما بينهم على توفير الماء بتجنب الإسراف في استهلاكهم له.