نشرت الاقتصادية (8/5/1436) أنه سيتم في عام 1438ه إجراء أول عملية لزرع الرأس البشري كما ذكر الجراح الإيطالي سيرجيو كانافيرو في مجلة نيو ساينتست (new scientist) الأمريكية وتتلخص العملية في حالة ما إذا وجد إنسان مصابا بداء عضال لا يرجى برؤه في الرأس أو مرض خطير كالسرطان في خلاياه مثلا ونحو ذلك مما لا يستطيع هذا المريض أن يبرأ منه وهو يواجه الموت حتما. ومن الجهة الأخرى، يوجد مريض آخر سليم الرأس وإنما يواجه الموت بسبب مرض خطير في جسده مثل سرطان الدم (المنجلية) أو غيرها من الأمراض الفتاكة التي يستعصي علاجها. وكما جاء في شرح الجراح الإيطالي يقوم الفريق الطبي بفصل الرأس السليم (جراحيا) من جسد المريض (المتبرع) وفصل الرأس المصاب من جسد المستقبل وزرع الرأس السليم في جسده، فيكون الرأس السليم لزيد مثلا قد نقل إلى جسد المستقبل (عمرو) مثلا وتكون الخلاصة أن لدينا إنسانا برأس زيد في جسد عمرو. وطالما أن العبرة بالرأس وليس ثمة تعلق للمرء بجسده، فيكون هذا الماثل أمامنا إنما هو زيد (المتوفى جسدا) وإن اختلف عن طوله وعرضه ولون بشرته وصفات أعضائه المعهودة، ويكتنف هذه المسألة عدة قضايا، يهمنا منها الملابسات الفقهية.. فهل يجوز أولا فصل رأس (سليم) من جثة رجل مريض في جسده مرضا لا يرجى برؤه، بصرف النظر عن الهدف أو الغاية من هذا الفصل؟ وفصل الرأس عن الجسد قطعا معناه الموت. والأصل في كل المسائل الفقهية بل كل المسائل على الإطلاق عدم تقديم الحكم الظني على القطعي. فكان من الأرجح في الإطار الفقهي بقاء هذا الرأس السليم في جسد هذا المريض الذي لا يرجى برؤه. وكم في حياة الناس من مفاجآت تقع على خلاف ما يتوقعون وليس هذا هو الحجة وإنما الحجة في حرمة انتزاع حياة المرء على غير وجه شرعي. فالأصل إذن أن يبقى هذا المريض مع الأخذ بالأسباب في العلاج ونحوه، مريضا حتى يشفى أو يموت برأسه السليم، كما أن الأصل في حق عمرو صاحب الجسد السليم والرأس المريض الذي لا يرجى برؤه. أن يبقى مريضا بهذه الحالة حتى يشفى رأسه من المرض أو يموت. ولكن التطورات الخيالية في عالم الطب والعلوم تطرح سؤالا في هذه المسألة وهو: هب أننا وافقنا هذا الرأي وأبقينا هذا المريض بجسده المريض ورأسه السليم حتى مات موتا طبيعيا، فهل يجوز بعد موته بفترة وجيزة يحددها الطب أن نفصل رأسه السليم لنزرعه في جسد زيد المريض في رأسه والسليم في جسده؟ والغاية في ذلك هي إنقاذ حياة إنسان من الموت برأس إنسان آخر قد مات فعلا.. وهذا الرأي يصطدم بعدة اعتبارات، أولها ما هو متعارف عليه بين الناس أجمعين أن الغاية مهما كانت لا تبرر الوسيلة، وثانيها أن في قطع رأس هذا الميت انتهاكا لحرمته وقد تواترت الأخبار عن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإنسان بصفة عامة حتى من غير المسلمين مكرم حيا وميتا ولقد تطرق إلى هذا المعنى المفسرون لقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)، يقول الشافعي في كتاب الجهاد (341/4) إذا أراد المسلمون قتل المشركين لا يمثلون بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا فصل ولا بقروا بطنا ولا تحريق ولا تغريق لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن المثلة وقتل من قتل بهذه الطريقة، وقطع رأس الميت فيه المثلة وانتهاك الحرمة. وأكد الشافعي في الحاوي الكبير 485/5 أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن المثلة والإشعار في الحيوان والإشعار هو أن يضرب شق الناقة أو الجمل الأيمن من موضع السنام بحديدة حتى يدميها، وقال أبو حنيفة إن الإشعار بدعة مكروهة منهي عنها ولقد جاءت توجيهات من عند الرسول عليه الصلاة والسلام في مسألة الذبح بالتشديد على شحذ السكين وحدها بحيث تكون ماضية في الذبح سريعة من غير تعذيب للذبيحة، وأن يخفي السكين عن الذبيحة وما هو مجهز للذبح من غيرها. وأمر أن يكتفي في الذبح بقطع الودق والشريان الرئيسي في عنق الذبيحة ولا يفصل الرأس كاملا إلا بعد موتها، وألا يبدأ يسلخ الجلد عن اللحم إلا بعد التأكد من تمام موتها. كل هذا من باب الرفق بالحيوان فإذا جاء النهي في الحيوان فمن باب أولى أن يكون ذلك محرما في حق الإنسان وفي هذا حجة دامغة ضد ما يفعله الدواعش والإرهابيون بحق المسلمين وغيرهم من قتل وحرق وتمثيل خارج عن حدود الدين والعقل والمنطق، فهم كما أكد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة بأن هذه الجماعات لا تمت إلى الإسلام بصلة،. ومع ذلك ينبغي التنويه هنا إلى أن بعض حالات المرضى في مثل هذه الملابسات يكون معنى التشويه أو المثلة ضئيلا لا يصل إلى التشويه الممنوع ويقابل ذلك مردود كبير في إنقاذ حياة إنسان آخر، مثال ذلك في مرضى الفشل الكلوي فلو أن إنسانا فشلت كليتاه وبالتالي يكون عرضة للموت وهناك شخص آخر صحيح الكليتين ولا يضره لو أخذت إحداهما لإنقاذ حياة المريض الأول. ففي هذه الحالة يغلب ترجيح إنقاذ حياة ذلك الإنسان كما أن انتزاع إحدى كليتي هذا الرجل الصحيح ليس فيه تشويه بالمعنى المعهود بل إن الطب هذه الأيام حقق مثل هذه العمليات بجراحة المناظير وبهذه الاعتبارات يجوز مثل هذه العمليات وفق عموميات الشرعية في الحفاظ على النفس..