أحدث قرار وزارة التعليم سحب ثلاث صلاحيات من الملحقيات الثقافية؛ هي ترقية البعثات والموافقة على الدراسة على نفقة المبتعث وضم الدارسين على نفقتهم لبرنامج الابتعاث، أحدث قلقا كبيرا لدى الجميع وليس المبتعثين فقط بشأن برنامج الابتعاث بأكمله، فقد انتشرت الإشاعات كالنار في الهشيم بأن هذا القرار ما هو إلا تمهيد لإيقاف البرنامج، ولاسيما أن الوزارة لم توضح بما فيه الكفاية حيثيات وأسباب قرارها المفاجئ، علما بأن الملحقيات هي ممثليات للوزارة في دول الابتعاث، تطبق أنظمتها ولوائحها، وإن كانت ثمة ملاحظات على أدائها، فالأفضل تصحيحها وضبطها بدلا من تكديس كل الإجراءات في الوزارة وما ينتج عنه من عنت على المبتعثين، حتى لو كانت الإجراءات ستتم إلكترونيا، فلا بد أن يجد المبتعث نفسه مضطرا في لحظة ما لمراجعة الوزارة رغم وجوده خارج المملكة، كما أن عامل الوقت في جداول الدراسة لن يتسامح مع طالب تأخرت إجراءاته في الوزارة وقد يضيع مستقبله بسبب تأخير ليوم واحد. إن برنامج الابتعاث هو أحد الإنجازات العظيمة في تاريخ المملكة بأبعاده التي تتجاوز الحصول على شهادة من الدول المتقدمة، فهو منصة الانطلاق نحو المستقبل لأجيال خالية من أزمات الماضي وتراكماته السلبية وأفكاره الضيقة وسهولة استلاب العقول وتشكيلها وقولبتها في بوتقة ضيقة تصممها الوصاية. إنه لا يختلف عن البرامج التغييرية الكبرى التي اتخذتها اليابان بعد الحرب العالمية أو مصر في عهد محمد علي عندما قررت أن يكون الابتعاث برنامجا وطنيا استراتيجيا حصدت ثماره العظيمة بعد حين. إن هذا البرنامج لدينا أهم من كثير من المشاريع والبرامج الأخرى مهما كان مردودها؛ لأنه استثمار في الإنسان الذي يصنع المستقل ويمثل الثروة الحقيقية للوطن، ومهما صرف عليه من ميزانيات، فإنها ليست ترفا أو مسألة ثانوية، بل لتحقيق هدف وطني في غاية الأهمية. نحن نعي أن كل هذه الحقائق معروفة لدى الدولة، ونعرف أنها تضع الإنسان في أولوية خطط التنمية، والإنسان الذي نريده هو الحائز على أعلى وأرقى درجات العلم، مضافا إليها قيم الحضارة والوعي والإنسانية والثقافة والقدرة على التعامل مع كل مكونات هذا العالم ومتغيراته واشتراطاته، وليس الإنسان المنكفئ على الداخل والمحصور بين جدران البيت. ولذلك نحن نتوق إلى ما يبعث الاطمئنان على أن هذا البرنامج مستمر بمزيد من التسهيلات والدعم.