منذ رسم الإدريسي أول خريطة كروية للعالم في القرن السادس الهجري، إلى أن شهدت كندا ظهور أول نظام معلوماتي جغرافي في النصف الثاني من القرن العشرين .. هناك مسافة معرفية طويلة جدا قطعها الإنسان في المجال الجغرافي بفضل من الله وعون. هذه المسافة الطويلة كان لعلماء العرب والمسلمين فيها باع طويل. فقد كان العلماء المسلمون من أوائل من قرر كروية الأرض، كان ذلك في القرن الثالث الهجري، وكان الإدريسي قد صنع لملك صقلية كرة من الفضة الخالصة تمثل الجزء المعمور من العالم آنذاك. والعلماء المسلمون من أوائل من قام بمحاولة قياس أبعاد الكرة الأرضية، ورغم أن وسائلهم كانت بدائية تعتمد على الشمس والأنجم والقياسات اليدوية، إلا أن الفرق بين ما انتهوا إليه وما قرره العلم الحديث بالأقمار الصناعية لا يتجاوز ثلاثة في المئة!! والعلماء المسلمون أول من وضع خطوط الطول والعرض على خريطة الكرة الأرضية، وضعها العالم أبو علي المراكشي في منتصف القرن السابع للهجرة. بل إن الكاتبي والشيرازي وأبا الفرج قد ألمحوا إلى حقيقة دوران الأرض حول نفسها في القرن السابع الهجري، أي قبل أبحاث (كوبرنيكس) بثلاثة قرون! والعلماء المسلمون هم سادة الموسوعات الجغرافية الدقيقة للمدن والبلدان؛ كمعجم البلدان لياقوت الحموي، ومراصد الإطلاع للبكري، وصفة جزيرة العرب للهمداني، وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي، وغيرها. وهذه المصنفات تحدثت عن جغرافيا المدن والأقاليم من جهة تحديد الموقع، والمناخ، والتضاريس، والحدود، والنشاط الاقتصادي، والديموغرافيا البشرية، والطرق والمواصلات. والأعجب من ذلك كله أن فكرة توظيف (الأرقام والحسابات) في تحديد وتدقيق المعلومات الجغرافية، وحتى في رسم الخرائط، كان مذهبا متبعا لدى علماء العرب والمسلمين، ولا سيما فيما يعرف ب(الجغرافيا الفلكية)، وقد ظهر ذلك في الطريقة التي قاسوا بها محيط الأرض، وفي حساباتهم لتحركات الأجرام في فلكها. ويمكننا أن ندرك عظم تأثير هذا التراث الإسلامي الجغرافي حين نتأمل كلمة المستشرق الألماني اليهودي مارتن بلسنر الذي قال: «ما زالت مؤلفات المسلمين في الجغرافيا تحتل مكانا مهما حتى يومنا هذا.. فتراث الإسلام في هذا الميدان له أهمية خاصة». ليس غريبا على أمة تقرأ في كتاب ربها إشارات جغرافية واضحة أن تبدع في هذا المجال. فقد ربط القرآن ضبط الاتجاهات بحركات الفلك: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون). وأخبرنا بأن الجبال هي أوتاد الأرض: (وجعل فيها رواسي أن تميد بكم). فلذلك سبقت هذه الأمة، وحري بها أن تظل سابقة.