أكد عدد من خبراء التقنية والمعلومات أن التشريعات النظامية في مواجهة الجرائم الإلكترونية، عاجزة عن التصدي لهذا النوع من الجرائم بشكل كامل، بل وتفتقد القدرة على ردع المخترقين، لافتين إلى غياب الوعي اللازم بين شرائح المجتمع بسبب عزوف مستخدمي هذه التقنية على التعرف على حقوقهم وواجباتهم إضافة إلى انعدام برامج النهوض بالوعي المجتمعي، مشددين على ضرورة وضع أنظمة أكثر حزما لوقف عمليات الاختراق وسرقة البيانات الشخصية، ومراقبة المواقع المشبوهة التي تعمد إلى تعليم صغار السن والراغبين في تعلم الاختراقات أو ما يسمى ب«الهاكرز»، لوضعهم تحت طائلة العقاب النظامي، واصفين هذا الفعل بأنه عمل تخريبي، بعضه بلا هدف، وبعضه لإيذاء الطرف المخترق، مطالبين الجميع بتوخي الحيطة والحذر قدر المستطاع لتجنب الاختراق الإلكتروني. واعتبر عقيل العسيف -خبير أمن ومعلومات- أن الاختراق الإلكتروني مشكلة واقعية تصيب الأشخاص أو الشركات أو حتى الدول، الأمر الذي يتطلب توخي الحذر في التعامل مع المعلومات المهمة والشخصية، مشيرا إلى ضرورة الالتزام ببعض القواعد الهامة وهي الامتناع عن وضع المعلومات الخاصة والحساسة على الإنترنت قدر الإمكان، وعدم استخدام البرامج دون التأكد من مصدرها سواء على الجوال أو الكمبيوتر، فضلا عن تحميل برامج الحماية والحرص على التحديث، وتجنب استخدام كلمة السر لكل الحسابات محذرا من استخدام بعض التطبيقات كالإنترنت أكسبلورر، وتجنب المواقع المشبوهة، مع الاحتفاظ بنسخ احتياطية للملفات المهمة. وانتقد العسيف التشريعات الخاصة بمواجهة الجرائم الإلكترونية، مشيرا إلى أنها غير قادرة على ردع المخترقين، مشددا على ضرورة وضع أنظمة أكثر صرامة لإيقاف عمليات الاختراق وسرقة البيانات الشخصية، لافتا إلى أن غياب الوعي اللازم بين شرائح المجتمع سواء بسبب العزوف على التعرف على الحقوق أو الواجبات أو بسبب غياب البرامج القادرة على النهوض بالوعي الاجتماعي والتي تمثل أبرز الملاحظات على نظام الجرائم الإلكترونية بالمملكة، داعيا في الوقت نفسه إلى التعرف على terms & conditions شروط استخدام أي خدمة على الإنترنت لتفادي مخالفتها، فمثلا على اليوتيوب يمنع نشر أي محتوى لا تملك حقوقه، كونها تعد مخالفة صريحة تتمثل في وضع أي مقطع من التلفزيون على سبيل المثال دون إذن مسبق من القناة، وقد تتعرض لإلغاء الخدمة أو الملاحقة القانونية، مضيفا أن الاختراق الإلكتروني عمل تخريبي ومعظمه عشوائي لا يستند لأي هدف سوى التسلية على حساب الآخرين، فيما هناك اختراقات ذات مستهدف سواء كان سياسيا أو شخصيا ويكون الهدف منها إيذاء الطرف المخترق، مطالبا الجميع بأخذ الاحتياطات الكفيلة بمنع الاختراق أو التقليل من مخاطره. سلبيات التعدي على الحقوق الفكرية فيما أوضح محمد العبيدان «خبير أمن معلومات» أن الاستيلاء على الحقوق الفكرية يدخل ضمن الجرائم الإلكترونية، فالقانون يعاقب على مثل هذه الممارسات ويعرض مرتكبيها لأشد العقوبات، مشددا على ضرورة الابتعاد عن المواقع المشبوهة أو الرسائل غير الموثوقة والابتعاد عن المنتديات غير الموثوقة سواء في المنتديات أو الفيس بوك، مؤكدا أن التعامل بثقة مع هذه المواقع يمثل أحد مصادر الاختراق، الأمر الذي يستدعي الابتعاد عن ولوج هذه المواقع، مشيرا إلى أن برامج التوعية في المملكة ليست بالمستوى المطلوب، داعيا إلى وضع خطة متكاملة لرفع مستوى الوعي بمخاطر الاختراقات الإلكترونية، خاصة أن تداعياتها ليست خافية على الجميع سواء بالنسبة للقضايا الأخلاقية أو الجنائية. وأكد العبيدان أن التوعية تبدأ من المدرسة، مطالبا بضرورة وضع منهج متكامل لفصل دراسي يدرس فيه الطلاب أنواع الاختراق كاختراق ال phishing (التصيد) وال social engineering وغيرها، ورأى أن كثرة عمليات الاختراق الإلكتروني أمر طبيعي بسبب انتشار الإنترنت في المجتمع وبسبب قلة التوعية لدى الأفراد، لافتا إلى أن جميع الدول مرت بهذه المرحلة، فكل دولة ينتشر فيها الإنترنت ووسائل الاتصال يتعرض مستخدمو هذه التقنيات لعمليات الاختراق، وذلك لقلة الخبرة والوعي بهذه التقنية الجديدة، فالمخترقون يستغلون جيدا هذه النقطة، فيما تظل هناك ضرورة لرفع مستوى وعي المجتمع بمخاطر الاختراقات الإلكترونية كونها لا تنحصر في شريحة محددة، فالمجتمع بكافة شرائحه مطالب بالالتفات لهذه المشكلة والعمل على حلها أو على الأقل تجنب أخطارها بقدر الإمكان، فعلى الآباء توعية الأبناء عن مخاطر الاختراق، من خلال تفقد الأجهزة والتعرف على الشخصيات والأصدقاء الذين يتواصلون معهم سواء في المدرسة أو خارجها، بالإضافة إلى تنظيم دروس توعية حسب كل شريحة في المجتمع. تخصيص ميزانيات للتحصين ضد الاختراق وقال ماهر المهر «خبير أمن معلومات» إن الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أحد الأدلة التي يعتد بها في المحاكم، مشيرا إلى سهولة انتحال شخصيات معنية في وسائل التواصل الاجتماعي بغرض الضرر بها، كما أن الاستيلاء على الحقوق الفكرية يعد جريمة مهما كان هدفها سواء كان باستخدام اسم مستعار أم لا، معتبرا ذلك من أنواع السرقة، فالاستيلاء يمثل تجاهلا للجهد والوقت الذي بذله صاحب الحق الأساسي، مشيرا إلى أن استمرار الاستيلاء على الحقوق الفكرية يقود في كثير من الأحيان لتوقف إنتاج أعمال إبداعية مشابهة في المستقبل.. ذاكرا أن عمليات الاختراق الإلكتروني مشكلة تعاني منها الكثير من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة، مرجعا ذلك لتزايد الاعتماد على التكنولوجيا، بحيث أصبحت هذه الخدمات هدفا واضحا ومغريا للمخترقين سواء كان بهدف الحصول على مستندات ومعلومات داخلية أو لإيقاف الخدمات المقدمة لهذه الشركة لإلحاق الضرر بها، مشيرا إلى أن التقارير تؤكد أن الشركات والمؤسسات الكبرى وكذلك الدوائر الحكومية سوف ترصد حاليا ميزانيات ضخمة في العام الجاري لرفع مستوى التحصين ضد هجمات الاختراق، مضيفا أن التطور السريع في وسائل التكنولوجيا والأساليب المبتكرة التي يتبعها المخترقون أدت إلى جعل الأفراد هدفا سهل المنال، داعيا الإعلام وأصحاب الخبرة للتحرك الجاد والعاجل لممارسة الدور التثقيفي في حماية الأفراد من حبائل المخترقين. وحذر المهر من الأجهزة المحمولة بشكل خاص والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، فهي تحتوي على الكثير من المعلومات الشخصية، كما تحتوي على معلومات يسهل الوصول إليها من خلال الحسابات الشخصية الموجودة على شبكه الإنترنت، الأمر الذي يفرض على الجميع اتباع الخطوات الأساسية لحماية الجهاز وعدم الوثوق بأي برنامج أو تطبيقات تطلب الوصول إلى المعلومات الشخصية المتوفرة في الجهاز. الأسماء المستعارة ليست جريمة إلكترونية وذكر مؤيد الجشي «خبير أمن معلومات» أن ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي ينسب مباشرة لكاتبه، ولكن التعقيد في الأمر يتعلق في اختراق الحساب أو الكتابة بأشياء تخالف القانون بشكل أو بآخر، ما يعرض كاتبها لتطبيق القانون، كونها سوف تنسب إليه، رغم أن جرمه الوحيد قد يكون إهماله في حماية جواله أو كلمة مروره. مضيفا أن الدخول بأسماء مستعارة ليست جريمة في حد ذاتها بل تعتبر عدم الإفصاح عن الاسم الحقيقي من باب الخصوصية، فالجريمة تكون بانتحال شخصية أو الادعاء بتملك شيء يخص الغير، فالحقوق الفكرية لها حرمة وانتهاكها جريمة كما هي الحقوق الملكية المتعلقة بغير الإنترنت. وشدد على ضرورة رفع مستوى التوعية لتفادي التعرض للاختراقات والجرائم الإلكترونية، لافتا إلى ضرورة التعرف على أنواع الجرائم وكيفية الوقاية منها، إضافة إلى كيفية التعامل مع الجرائم في حال الوقوع فيها، فضلا عن التعرف على التشريعات والقوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية سواء محليا أو عالميا. تدني الوعي بمخاطر الجرائم الإلكترونية وأبدى الجشي استغرابه من تدني مستوى الوعي بمخاطر الجرائم الإلكترونية بالمملكة، معترفا في الوقت نفسه بوجود جهود على مستوى بعض الشركات كارأمكو وسابك وغيرها ولكن يبقى مستوى الوعي ضعيفا والجهود غير كافية، مضيفا أن انتشار عمليات الاختراق الإلكتروني أمر طبيعي خاصة مع الانتشار الكبير لتقنيات التواصل وطرق الوصول للبيانات، مرجعا الانتشار لسهولة استخدام الأجهزة والتطبيقات الحديثة، لافتا إلى أن هذه السهولة قد تكون سلاحا ذا حدين إذا لم يكن المستخدم واعيا بالمخاطر المحتملة. كمثال: مشاركة الصور عبر الأجهزة باستخدام iCloud أو Dropbox أمر رائع ومفيد إلا أن هناك اعتبارات لابد وضعها في الحسبان، مثل أن تكون المشاركة محدودة وليست مفتوحة وتكون كلمة المرور ليست من الكلمات السهلة التوقع (123123 أو رقم الجوال) وكذلك رقم الدخول للجهاز، مؤكدا أن استخدام هذه الوسائل يمثل حماية للمستخدم من الاختراقات، محذرا من ترك المعلومات الشخصية والخاصة في الجوال أو المواقع بدون الحاجة الملحة لذلك، مشددا على عدم وضع الصور الخاصة أو العائلية في جهاز الهاتف، مشيرا إلى أن مواقع الشركات معرضة للاختراق كما حصل في خدمة iCloud قبل فترة حيث سربت العديد من الصور الخاصة بالمشاهير، مبينا أن الجرائم الإلكترونية خطر موجود، فالكثيرون يظنون خاطئين أنهم في مأمن من هذه المخاطر، معتقدين أن هذه الاختراقات والسرقات الإلكترونية تكون هادفة أو مستهدفة لشخصيات بعينها، داعيا الجميع للوعي بمثل هذه الأمور، محملا في الوقت وسائل الإعلام مسؤولية تسليط الضوء على الوقاية والعلاج. «الهاكرز» سلاح ذو حدين من جهته أوضح الباحث الأمني والشرعي الشيخ سعيد بن محمد الحداوي أن الهاكرز هم شباب من أبنائنا أعطاهم الله موهبة الدخول في أعماق الشبكة العنكبوتية باحترافية عالية يستطيعون من خلالها فك رموز أي حاسوب أو رابط أو حساب بنكي أو غير ذلك، فهؤلاء سلاح ذو حدين إن استخدموا في الخير كانوا قوة ومنعة للمجتمع وإن تركوا وشأنهم ولم يكن لديهم وازع ديني فيمكن أن ينحرفوا ويسخروا موهبتهم في إيذاء عباد الله، وكباحث أمني وشرعي أناشد الجهات المعنية باحتواء أمثال هؤلاء الشباب لتخريب وتدمير كل المواقع التي تدعو إلى الرذيلة أو المساس بأمن الوطن، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة منهم حتى ولو لم يحصلوا على شهادات دراسية عالية تؤهلهم لذلك، فقد منحهم الله موهبة القدرة على ذلك، فلماذا لا يتم الاستفادة من إمكاناتهم وتوظيفها بالشكل المفيد للأخلاق والدين، مؤكدا أن الشبكات اليهودية تبحث عن أمثال هؤلاء وتمنحهم مرتبات ومخصصات كبيرة للاستفادة من خبراتهم في هذا المجال والأمثلة على ذلك كثيرة. واستدرك الحداوي قائلا: إن الحكم العام يتنافى مع ذلك الفعل فهو من قبيل التجسس وإشاعة الفاحشة وقد قال تعالى «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم».. الآية.. نسأل الله لهم الهداية وأن يجعل عملهم خدمة للإسلام والمسلمين لا هدما للقيم والأخلاق والتسبب في إشاعة الفواحش في أمتنا العربية والإسلامية وإيذاء الآخرين. أما المرشد الاجتماعي فياض بن رجعان العجمي فيرى أن ارتكاب أي فعل إجرامي يعود لعدد من الأسباب والدوافع فمنها ذاتية كشخصية الهاكرز كالقدرة على المخادعة والاحتيال فهو لا يعترف بالقيم الأخلاقية ولا يعيرها أي اهتمام كما أنه لا يدرك أن سلوكه يستحق العقاب، ومنها ما يرجع إلى أسباب خارجية كالبيئة التي يعيش بها الهاكرز ودائماً شعور الهاكرز بالغرور والكبرياء في حاله اختراق مواقع أو حسابات الأشخاص، مشيرا إلى أن حماية المجتمع من الهاكرز يكون بتطبيق المساءلة القانونية في حقهم وبحق كل من يقوم بتلك الأفعال، وفق نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م17) وتاريخ 8 / 3 / 1428ه، حيث عرف نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الجريمة المعلوماتية بأنها أي فعل يرتكب متضمناً استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام هذا النظام. أما فيما يخص العقوبة المترتبة هي السجن لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة مالية لا تزيد على 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين وتزداد هذه العقوبات كلما زادت أوصاف وجسامة الجريمة حيث نصت المادة الخامسة من نفس النظام على العقوبة بمدة لا تزيد عن أربع سنوات وبغرامة لا تزيد عن ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين على الدخول غير المشروع لإلغاء بيانات خاصة أو حذفها أو تدميرها أو تسريبها أو إتلافها أو تغييرها أو إعادة نشرها وكذلك إيقاف الشبكة المعلوماتية عن العمل أو تعطيلها أو تدمير أو مسح البرامج أو البيانات الموجودة أو المستخدمة فيها أو حذفها أو تسريبها أو إتلافها أو تعديلها وكذلك إعاقة الوصول إلى الخدمة أو تشويشها أو تعطيلها بأي وسيلة كانت وأن العقوبة قد تصل إلى السجن عشر سنوات أو غرامة تصل إلى خمسة ملايين ريال إذا كان الاختراق بقصد الدخول إلى بيانات تمس الأمن الداخلي أوالخارجي للدولة أو اقتصادها الوطني، ومن الناحية الشرعية نتذكر حديث رسولنا الكريم حيث صح في الحديث بأن المسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه ويده، مضيفا أن الإسلام كفل الحفاظ على هذه الخصوصيات وهي تؤدي نفعاً وخدمة لعامة الناس كالمواقع الحكومية التي أصبحت تنجز معاملات أفراد المجتمع بكل سهولة ويسر عكس الطرق التقليدية في السابق من مراجعة الدوائر الحكومية والصعوبات التي تواجه أفراد المجتمع.