أخيرا استقال الأمير عبدالرحمن بن مساعد من رئاسة نادي الهلال بعد نحو ساعة من نهائي كأس ولي العهد الذي خسره الهلال أمام الأهلي البطل. بضع كلمات من 140 حرفا على حسابه في «تويتر» أطلقت عاصفة من التعليقات لم تهدأ بعد. بشكل مفاجئ، ودون شروط، وبلا تفاصيل، كتب الأمير عبدالرحمن ما يلي: «أعلن استقالتي من رئاسة نادي الهلال، وهناك رجال أكفاء كثر من الهلاليين لديهم القدرة على رئاسة النادي والقيام بأعبائه وفقنا الله لما يحب ويرضى». ورغم أن هناك من قلل من جدية رئيس الهلال في الاستقالة، واعتبرها مجرد مناورة لكسب تعاطف الجمهور الهلالي، وامتصاص غضبه بعد خسارة كأس ولي العهد، متوقعين أن يعود الأمير عبدالرحمن عن قراره هذا خلال الأيام الماضية، وبمبرر الاستجابة للضغوط الشرفية وتمنيات الجماهير، وبحجة أن الوقت غير ملائم الآن لإيجاد الرئيس البديل، وقد يكون الحل بتأجيل الاستقالة حتى نهاية الموسم، كحال استقالة رئيس مجلس أعضاء الشرف بالنادي الأمير بندر بن محمد الذي أعلنها في وقت سابق وربطها بنهاية الموسم. وبغض النظر عن سر الاستقالة، فقد انقسم الشارع الرياضي إزائها بما في ذلك الهلاليين، إلى فريق اعتبرها ضرورية لإنقاذ الهلال وإخراجه من حالة التراجع والإخفاق المستمرة، وهؤلاء يحملون الإدارة المسؤولية عن هذه الإخفاقات، وفريق ثان، تمنوا أن يتراجع ابن مساعد عن استقالته، معتبرين أن لا ذنب لابن مساعد وفريقه الإداري فيما يحدث للهلال، وأن المسؤولية تقع بالكامل على مدرب الفريق ونجومه الذين خذلوا جماهير الهلال وإدارته، أما الفريق الثالث، فهو الذي قلل منذ اللحظة الأولى من جدية الأمير عبدالرحمن في قرار الاستقالة، مذكرين بتصريح الأمير الشهير الذي اشترط لتسليم النادي 81 مليون ريال هي مجموع ما صرف على بناء الفريق الحالي معظمها دفعها ابن مساعد من جيبه الخاص، وثمة من أكد أن الأمير اضطر مؤخرا لبيع بعض ممتلكاته الخاصة لمواصلة الصرف على النادي وتمويل بعض الصفقات. حلقات الفشل المتلاحقة والمتتبع لمسيرة فريق الهلال، يجد أن سلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ابن مساعد منذ الموسم الماضي، قادت في النهاية لهذه الاستقالة الإجبارية، تحت ضغط جماهيري قوي، فالمطالبة باستقالة الإدارة بدأت بصوت خافت، وعلى شكل تلميحات، لكنها أصبحت في الآونة الأخيرة تتردد بصوت عال في أروقة النادي وإعلامه، وتصدر من شخصيات وأناس لهم وزنهم في المعادلة الهلالية. وإذا كانت إدارة ابن مساعد وهو شخصيا يتحملون المسؤولية عن قراراتهم، فإن الجميع يعلم أن معظم القرارات التي اعتبرت خاطئة كانت نتيجة ضغوط من الجماهير، أو على الأقل قسم منها، وأعضاء الشرف والإعلام الهلالي، مثل قرار إقالة سامي الجابر من تدريب الفريق نهاية الموسم الماضي، الذي يعتبره قسم من الهلاليين من الأخطاء الفادحة التي أضرت كثيرا بالفريق، وليس سرا أن هذا القرار اتخذته الإدارة بعد تمنع تحت ضغط قوي من أعضاء الشرف بقيادة رئيس أعضاء الشرف الأمير بندر بن محمد. وكان يمكن أن تطوى صفحة سامي الجابر نهائيا لو أن المدرب البديل كان أفضل من المدرب الحالي «ريجي» الذي يواجه من جماهير وإعلام النادي ومنذ مجيئه نفس الموقف الذي واجهه سامي الجابر، فثمة انقسام حول كفاءته وجدارته بقيادة فريق الهلال. محطة الحلم الآسيوي ولأن الفشل له مقدماته، وهو لا يجيء هكذا فجأة ودفعة واحدة، فقد بدأت الأمور تفلت من يد الأمير عبدالرحمن بن مساعد منذ أن تحول الحلم الآسيوي إلى كابوس لم يستطع الهلاليون الفكاك منه، ولهذا قال كثيرون إن الهلال ذهب إلى سيدني ولم يعد، وبصراحته المعهودة والمثيرة أحيانا اعترف ابن مساعد بأن خسارة المعترك الآسيوي شكلت حدثا مفصليا لازال الهلال يدفع أثمانا باهظة له، بما له من انعكاسات نفسية على الهلال بكل مكوناته إدارة وجماهير ولاعبين. ورغم كل المحاولات الجادة والمخلصة التي بذلها رجال الهلال، وخصوصا الأمير عبدالرحمن بن مساعد شخصيا، منذ هذا الخسارة وحتى الآن لإخراج الفريق من تداعيات الفشل الآسيوي، وما بذل من جهود وصرف من مال، إلا أن فريق الهلال بقي يعاني بوضوح، ولم تنجح خطوات ترميم صفوف الفريق بالعودة بالفريق إلى حالته الطبيعية، وبدأ خلال مسيرته في الدوري أنه لا زال يعاني، وتجلى هذا على مستويات الفريق ونتائجه في الدوري مما أفقده الكثير من النقاط التي أبعدته شيئا فشيئا عن دائرة المنافسة وباتت آماله بلقب الدوري توشك أن تتلاشى نهائيا الآن. وكان ابن مساعد يراهن كثيرا على الفوز بكأس ولي العهد لتحقيق نوع من التوازن الفني والنفسي للفريق، وهذا ما جعل من وقع الخسارة مساء أول أمس أمام الأهلي قاسيا وموجعا بل ومدمرا. ومن سوء حظ الأمير عبدالرحمن بن مساعد أن الأزمة التي يمر بها الهلال تجيء في ظل تفوق جاره ومنافسه التقليدي نادي النصر الذي جمع الموسم الماضي بطولتي الدوري والكأس، وهو الآن يتقدم سلم ترتيب الدوري ومرشح قوي لنيل البطولة الأهم. تدخل نصراوي وكان من اللافت بل والمثير أن رئيس نادي النصر الأمير فيصل بن تركي وبعد نحو ساعة من إعلان ابن مساعد استقالته، غرد مطالبا رئيس الهلال بالتراجع عن الاستقالة، ويبدو أن الأمير فيصل بن تركي تنبه إلى أن هذا يعتبر تدخلا بشؤون النادي الجار، فعاد وحذف تغريدته، لكن جماهير النصر ومنذ إعلان الاستقالة انشغلت بالحدث الهلالي، وكان غالبية النصراويين يبدون تعاطفا مع ابن مساعد من باب مناكفة الجمهور الهلالي. ولأن الاشتباك الهلالي النصراوي يحدث في كل شيء وأي شيء، فقد راحت الجماهير كالعادة تجري مقارناتها في جوانب عدة، سواء في سياق المديح والثناء، أو في سياق النقد السلبي، فقالوا إن ابن مساعد رضخ لرغبة جماهير ناديه وقدم استقالته، بينما قام رئيس النصر بجلب الشرطة لتفريق جماهير النادي عندما احتشدوا أمام النادي للمطالبة باستقالته. البدلاء تكهنات وتوقعات وبالرغم من أن استقالة ابن مساعد لم تحسم بشكل نهائي ولا زال من المبكر القطع فيها، إلا إن الجماهير والمراقبين بدأوا يتساءلون عن اسم الرئيس البديل الذي سيخلف ابن مساعد في رئاسة الزعيم، وخلال الأربع وعشرين ساعة الماضية طرحت عدد من الأسماء المرشحة ومعظمها أقرب للتوقع من أن تكون مستندة لحقائق ومعلومات، فيما رجح بعض المراقبين أن لا يتقدم أحد للترشح لخلافة ابن مساعد وهو ما يعزز سيناريو إقناع بن مساعد بالتراجع عن الاستقالة وتأجيلها إلى نهاية الموسم. رأس جبل الجليد وإذا كانت استقالة ابن مساعد تشكل ذروة الأزمة الهلالية، فإنها في الواقع ليست سوى «رأس جبل الجليد»، فالجزء الأكبر من جبل الأزمة مغمور في الكواليس الهلالية وهو يمتد ليصل لأعضاء الشرف، ونجوم الفريق، وإعلام الهلال الذي أصبح عبئا على النادي وجزءا أساسيا من مشكلته، ويخطئ من يظن أن استقالة ابن مساعد هي نهاية مشاكل وأحزان الهلاليين، فمن المرجح أن تكون بداية أزمة عميقة جدا تفتح فيها ملفات مغلقة، وتنفجر فيها براكين خامدة منذ أمد بعيد، فتعمق من شق صفوف الهلاليين، وقد ينتج عن ذلك عملية استقطاب حادة تعصف بالنادي، كما حدث في أندية أخرى، فما أخفته الانتصارات، تكشفه الهزائم والإخفاقات، وهذا أكثر ما يخشاه رجالات الهلال في الفترة القادمة، التي ستكثر فيها الاجتماعات السرية والعلنية، وتكثر فيها الوشايات والقيل والقال. رجل استثنائي وبعيدا عن كل الحسابات الضيقة والصغيرة يرى المنصفون من الهلاليين وغيرهم أن عبدالرحمن بن مساعد لم يكن رئيسا عاديا، وأنه قدم عملا جبارا وقاد الهلال لتحقيق سبع بطولات، وصرف نحو 250 مليون ريال، ومن أجل الهلال ضحى بالكثير من وقته وأنفق الكثير من ماله الخاص، وسوء الطالع الذي لازم الفريق الكروي بالهلال في الآونة الأخيرة يجب أن لا يلغي ما قدمه وأنجزه ابن مساعد للهلاليين في فترة رئاسته للنادي. ويرى كثيرون أن الإساءة لجهود رئيس مثل رئيس الهلال سيضر كثيرا بالوسط الرياضي والأندية، وسيجعل الكثير من الشخصيات تحجم عن الدخول للوسط الرياضي وقيادة أنديتها المفضلة؛ خوفا من أن تلقى نفس المصير الذي يلقاه رئيس الهلال الآن من وسط رياضي يصفه البعض بأنه يتصف بالجحود والنكران وسوء الخاتمة.