السؤال الوجودي الأزلي الذي تتمحور حوله كل الفلسفات الإنسانية هو؛ لماذا وجد الإنسان في هذه الخبرة الحياتية المادية؟ والجواب الروحي الأزلي هو أن الإنسان وجد في الخبرة الدنيوية ليطور وعيه العقلي النفسي الأخلاقي السلوكي الجوهري الروحي لكي يمكنه به معرفة ربه حق المعرفة وبالتالي عبادته حق ما يستحق سبحانه ويرضى، ولتحقيق هذه الغاية جعلت الحياة الدنيا مدرسة وكل ما فيها من سنن وقوانين وأحوال وطبائع وعلاقات هي أدوات تعليمية، وفقط عندما يستوعب الإنسان هذة الحقيقة يصبح متفائلا بحق، لأنه لا يرى في أي حال سوءا ولا خسارة ولا فشلا إنما يرى في كل الأحوال التي تصنف على أنها سلبية درسا بليغا هاما ولازما له لأجل مساعدته في تطوره الجوهري، فالطالب لا يستفيد في وقت الفسحة الذي يحبه ويفرح به إنما الفائدة هي في حصص الدروس التي تكون الأصعب عليه، فالفرح في الدنيا هو بمثابة فسحة مؤقتة لتجديد النشاط استعدادا لاستكمال الدروس لا أكثر ولا أقل، وعندما يعتقد الإنسان أن الفسحة يجب أن تمثل الحال السائد في حياته فعندها يكون قد وقع في مسعى عدمي سيقوده للإحباط واليأس لأنه لن يجد سعادته الدائمة أبدا بالفرح بالإثارة واللهو والتسلية، فالسعادة الدائمة لا تكون بالأحوال الخارجية إنما بالأحوال الداخلية، والسعادة الداخلية تتحقق للإنسان عندما يكرس جوهره على أن كل خبرات الحياة حتى المحزن منها هي في صالحه، فهي الدروس التي تساعده على أن يصبح أفضل وأرقى، وهذا المنظور هو الذي يحقق التحويل الخيميائي للأدنى فيجعله أعلى، ويجعل الإنسان يستخرج المنح من المحن، والعلاء من البلاء، والأمل من الألم، فأحوال الدنيا محايدة بذاتها، وإدراك وتوظيف الإنسان لها هو ما يكسبها معانيها الإيجابية أو السلبية.