المتتبع للسياسة الإيرانية منذ عقود مضت يلاحظ أن المحرك الخفي لدبلوماسيتها الدولية هي عقائدها الفكرية، فما يحرك السياسة الإيرانية على صعيد الدبلوماسية الدولية ليس المصالح المشتركة أو الأهداف المتشابهة مثلما يجمع أو يفرق بقية دول العالم، ولكنها تسعى طيلة الوقت لحماية حلفائها ممن يمكنهم فقط مساعدتها في تنفيذ مخططاتها الدنيئة والذين التقت مصالحهم مع مصالحها، وهي بهذا تسعى بطريقة محمومة للدفاع عن دوائر الحكم في تلك الدول بكافة الطرق الشرعية وغير الشرعية، حماية لأرضيتها الفكرية وايديولوجيتها العقدية. بعد غزو العراق في 2003 أصبحت إيران لاعبا محوريا في سياسة العراق الداخلية والخارجية على حد سواء، وهو ما تبين بوضوح أثناء فترة حكم رئيس الوزراء العراقي الطائفي نوري المالكي، وقد تم هذا التدخل بمباركة أمريكية خفية، وأثناء الحرب المحتدمة في سوريا وجدناها تحرص على مناصرة ودعم نظام الأسد، لأن هذا الدعم بمثابة ضمان وحماية لمصالحها في جنوبلبنان وللدفاع عن حزب الله، وها هي تعلن بصفاقة عن عزمها التواجد بشكل دائم في خليج عدن، وهو ما تسعى لتحقيقه للتحكم في شريان الحياة في مضيق باب المندب، ويتأتى ذلك من خلال دعمها لجماعة الحوثيين باليمن بشتى السبل وأهمها تهريب السلاح. تريد إيران من تمديد نفوذها التوسعي إلى أن تطوق الخناق على دول الخليج، ولكن من الصعب بمكان أن نتصور أن دعمها الأخير للحوثيين سيؤدي لقلب الموازين والقوى في المنطقة، فإيران لن تجرؤ على إغلاق باب المندب أو حتى التسبب في مضايقة السفن الأوروبية أو حتى الإسرائيلية العابرة منه، لأنها تعلم جيدا العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك، وهي بالتأكيد لن تريد المجازفة بنفس تجربة الرئيس الراحل عبد الناصر عندما قام بإغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية والتي أدت إلى هزيمته في حرب 67. يعتقد البعض خطأ أن الهدف الايراني يتمثل فقط في دعم الشيعة، ولو نظرنا لحال الوضع في سوريا فسنجد أن سوريا ليس بها الكثير من الطوائف الشيعية، فالهدف إذن هو تطويق دول الخليج وفرض حصار عليهم أشبه بالكماشة من جميع الاتجاهات، ولعله من اللافت أنه في أحاديث بشار الأسد كثيرا ما يكرر جملة «أصدقاؤنا الإيرانيون»، ولا أعرف هل يعي حقيقة ما يقوله أم أن كلامه فقط من باب دبلوماسية المصالح، فمعروف تماما أن إيران دولة بلا أصدقاء، فصداقاتها وقتية ومرتبطة ومحددة بمصالح معينة، كما أننا يجب أن نشير إلى أن أي تقارب لإيران مع أي دولة من دول الخليج هو تقارب خبيث، الهدف منه شق الصف الخليجي الموحد وعزل الدول المرتبطة ببعضها البعض. من المؤكد أن التقارب الأخير بين إيران والدول الأوروبية قد فهم بطريقة مغلوطة من قبل دوائر الحكم في طهران، فهذا التقارب ليس معناه استبدال مصالح هذه الدول بإيران أو أنها ستحل محل دول أخرى إقليمية لحل النزاع في منطقة الشرق الأوسط، فالسعودية ودول الخليج كافة لاعبون دوليون أساسيون على الساحة الإقليمية والعالمية ولا غنى عنهم لحل أي نزاع أو للوصول لأي اتفاق، فإيران لا تريد أي تهدئة بهذه المنطقة ويكفينا أن نلاحظ أنها تعتمد في سياستها على إشعال فتيل الأزمات داخل الدول التى يكون لها مصالح في الاستحواذ عليها، ولو نظرنا نظرة عجلى لخارطة الشرق الأوسط فسنجد أن الدول التي تدخلت فيها إيران تعاني من تمزقات عميقة وصراعات تكاد لا تنتهي، بدءا من سوريا مرورا بالعراق وصولا لليمن، كما أنه لا يمكن نسيان سعيها لامتلاك أسلحة دمار شامل، ومراوغتها في إجراء تفتيش دولي على منشآتها النووية. من المؤكد أن شهر العسل بين الغرب وبين إيران قد شجعها على المضي قدما في تنفيذ مخططاتها التوسعية، ولكن سياسة التوقيع بين الشعوب وإشعال الحروب الأهلية بين الدول هي سياسة لا مستقبل لها، فالرهان على دس الفتن وإشعال فتيل الأزمات هو رهان خاسر، أما ما تنتهجه السعودية ودول الخليج من الرهان على القوى المعتدلة ولغة الحوار بين الفصائل المتنازعة بدلا من لغة التأليب والحض على الاقتتال هو من سيشهد له التاريخ بالنجاح والاستمرارية، فالبقاء والديمومة لمن يهدف للاستقرار ويدعم السلم والسلمية، لا من يهددهما ويمثل خطرا على البشرية.