من آداب الصدقة التي يعرفها الكبير والصغير؛ أن لا تعرف شمالك ما تنفقه يمينك، وهذا ليس فقط لكونه أدعى للإخلاص في النية ولكي لا يكون من الرياء المحبط للعمل، إنما أيضا مراعاة لمشاعر وكبرياء المحتاج، فحتى المحتاج لديه كبرياء فطري ويؤلمه ويجرحه أن يستعرض الناس بالتصدق عليه، بل ويطلبون منه أن يصوروه وهو مادا يده وهم يضعون الصدقة فيها ويخطر بباله أنه سيراها أولاده ومعارفه ويرونه في هذا الحال من الانكسار، ولا يحتاج الإنسان لموهبة الفراسة ليمكنه رؤية تعابير الألم النفسي العميق في وجوه هؤلاء المحتاجين الذين في الصور، ويكفي أن يضع المتصدق نفسه مكان هذا المحتاج ويسأل نفسه؛ هل لو كان هو مكان المحتاج هل سيحب أن يصوره من يتصدق عليه وينشر الصورة ويستعرض بها؟ ومن يريد أن يرغب الناس بالبذل والصدقة بوجه مبتكر لها أو يريد أن يثبت للناس أن صدقاتهم وصلت فيمكنه نشر صور ما يريد التصدق به والموقع الذي سيتصدق فيه وليس تصوير المحتاج وهو يأخذها منه، وحتى الصور التي تصورها الجمعيات الخيرية وهي تسلم المحتاجين واللاجئين المساعدات المرسلة إليهم تعتبر جارحة لكبريائهم ويمكن إثبات وصول المساعدات بتصويرها أمام المخيم وما شابه، وفي الكتب التراثية نقرأ أنه كان من السائد في توزيع الصدقات والمساعدات المالية والعينية أن يضعها المحسنون أمام البيوت في الليل ضمانا للإخلاص وحفظا لكبرياء المحتاجين، فحتى الآباء يحرجهم ويكسرهم أن يعرف أبناؤهم أنهم يأكلون ويلبسون ويعيشون من أموال الصدقات والمساعدات ويشعرون أن هذا يكسر صورتهم في عين الأبناء، ولهذا غالبا يريد الوالدان إخفاء حقيقة أنهم مضطرون لأخذ صدقات الناس حتى عن أولاهم، ولهذا الأصل الصحيح في توزيع الصدقات أن تكون بأقصى درجات التكتم.