رحم الله الملك الأب الغالي عبدالله بن عبدالعزيز الذي عشنا في كنفه أياما من الرخاء والاستقرار والحكم الرشيد، ذلك الرجل الذي كان يحس جميع أفراد شعبه بصدقه ومحبته الخالصة وعفويته في التعابير التي كانت تصل إلى القلوب، فقد كان ملكا على القلوب بالفعل، فكل منا كان يحس فيه بالأب والراعي، وكان رحمة الله عليه رجل دولة على مدى تاريخه، وفي فترة حكمه شهدنا من الخيرات ما أجراها الله سبحانه وتعالى على يديه في جميع المجالات، ورأينا أيضا ما كان يتحلى به من رؤية ثاقبة وحزم، فقد كان ملكا بكل ما تعنيه الكلمة، حتى خلال مرضه الأخير كان أعداؤه يحسبون له ألف حساب. كان رحمه الله رجلا يتسم بالشهامة والفروسية العربية بمعناها الكامل في الخلق وفي الحزم وفي الشجاعة، ورأيناه كيف كان في المواقف الصعبة يتصدى برؤية واضحة، فيكون هو المبادر، ثم يأتي العالم من خلفه، فلا ننسى مبادرته من أجل فلسطين، وما تميزت به من وعي وحل عادل للقضية التي بعد أن مضى عليها سنوات طويلة عاد العالم إليها، ولا ننسى مواقفه الصارمة في التصدي للمخططات والتدخلات الأجنبية التي تحاك للمنطقة، وكيف كان رجل موقف ورجل مبدأ في كل قضايا الأمة الأساسية. رحمة الله عليه سيظل ساكنا في قلوبنا، وسنظل نتذكره في دعواتنا، وهذا حقه علينا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيه عن ما قدم لوطنه وشعبه وأمته خير الجزاء، وأن يخلفه دارا خير من داره، وأهلا خير من أهله وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنان، فهو رجل إذا عددنا مناقبه ومآثره لن يكفيها هذا المقام، فقد كانت له مبادرات في التعليم، ومبادرات في الصحة، وكانت له مبادرات في الحوار، ومبادرات في حسن الخلق، ومبادرات في الاقتصاد وفي السياسة الدولية والوحدة العربية، وكانت مبادراته لا تحصى في مختلف المجالات. وقد كان رحمه الله يتسم بصفة عجيبة، فعندما يخال المراقبون أن المملكة لم تتدخل في موضوع معين، أو مغيبة في مشهد معين، يأتي رحمه الله ليقودها في اللحظة الحاسمة حتى يكون لها دور الريادة بحكمة وحنكة. رحمة الله عليه.. فنحن هنا نترحم عليه، ونحمد الله على هذه النعمة من الأمن والاستقرار، وندعو للملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ونبايعه وولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، نبايعهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في المنشط وفي المكره، ونحمد الله على هذه النعمة، وعلى هذا الانتقال الحضاري والسلس للسلطة، وعلى هذا الاتزان والحسم من الملك سلمان حفظه الله، الذي طمأن قلوب السعوديين جميعا منذ الساعات الأولى، فرغم الصدمة وهول المشهد رأيناه ملكا يتصرف بحكمة وحنكة واتزان بما يقتضيه الظرف، فنحمد الله على هذه النعمة، ونسأله تعالى أن يديم على هذه البلاد الأمن والأمان والرخاء، وأن يوفقه وولي عهده وولي ولي عهده، وأن يرزقهم البطانة الصالحة ويجرى على أيديهم الخير الكثير، إنه ولي التوفيق والقادر عليه.