رغم ارتفاع حجم الاستثمارات الاجنبية في المملكة الى اكثر من 200 مليار ريال خلال العام الماضى، مقارنة ب46 مليارا في عام 2006، الا أن تحذيرات وزارة التجارة من تستر بعض المستثمرين الاجانب تكشف عن تحديات القطاع الذي راهنت عليه المملكة منذ عام 2000 في تحويل وجهة الاقتصاد الوطني من الاعتماد على النفط فقط الى تشكيل قاعدة صناعية وانتاجية كبيرة تلبي الطلب المحلي وتتجه نحو التصدير لتعظيم القيمة المضافة للاقتصاد. ووفقا لوزارة التجارة، تم كشف قيام بعض المستثمرين الاجانب بتمكين غير السعوديين من العمل لحسابهم الخاص، ونصت بعض عقود التأسيس على النسب في الحصص، مع تسجيلها في السجل التجارى حتى تبدو صحيحة ليتبين بعد ذلك أن المتستر عليه هو أحد الاطراف من خلال عقود سرية. ويتم التستر من خلال استغلال الاسم أو السجل التجاري او ترخيص مواطن سعودي، أواستلام مبلغ مقطوع. ووفقا لتقرير منظمة الاونكتاد فإن المملكة تعد في صدارة الدول العربية من حيث حجم استقطاب الاستثمارات الاجنبية من الخارج لما تتمتع به من ميزات اقتصادية وتسويقية عالية، فضلا عن طفرة تشريعية وقانونية ازالت اى غموض يتعلق بمصير المشاريع في حالة وجود أى خلاف بشأنها مع الجهات الحكومية اوالقطاع الخاص. يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مختار بلول ان اكتشاف عمليات تستر في مجال الاستثمار الاجنبي لا ينبغى ان يكون مفاجئا لأحد، لأن السوق يعج بمثل هذه الممارسات السلبية منذ سنوات طويلة دون تحرك فعلي للمواجهة، ولفت في هذا الاطار الى تستر الكثير من المواطنين على العمالة الاجنبية وقناعتهم بمبلغ مقطوع فقط من الارباح، وأرجع هذه الظاهرة في المجمل الى التلاعب للحصول على تأشيرات واطلاق العمالة سائبة في الشوارع مقابل مبلغ شهري او سنوى يتفق عليه، واعرب عن امله في ان تسهم اللائحة الجديدة التى ساوت بين المستثمر السعودي والاجنبي في تعزيز الفائدة من الاستثمارات الاجنبية في خدمة الاقتصاد الوطنى، مشيرا الى ان التغييرات الاخيرة في هيئة الاستثمار هدفت الى تنقية النشاط الذى شهد قصورا شديدا أدى الى تحول بعض العمالة المقيمة في المملكة الى مستثمرين أجانب بصورة أو بأخرى، كما أدى هذا الامر ايضا الى دخول استثمارات محدودة القيمة والفائدة بالنسبة للاقتصاد، وكان الاجدر ان يتم قصرها على المواطنين مثل افتتاح صيدلية او محلات للبقالة او مطاعم صغيرة، واشار الى ان مجلس الشورى كان اول من حذر من طوفان الاستثمارات الاجنبية الصغيرة، وطالب بتصحيح الوضع كاملا، الا انه لم يتم الالتفات للامر بشكل كامل وبجدية اكبر. ورأى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن الصنيع ان الجهود التى تقوم بها هيئة الاستثمار حاليا من اجل اعادة هيكلة القطاع وسحب التراخيص من غير الجادين والذين لا تنطبق عليهم الشروط، عوامل مهمة من اجل اعادة الزخم للاستثمارات الاجنبية التى يجب ان تقود قاطرة الاقتصاد في المرحلة المقبلة لاسيما مع التراجع الملحوظ حاليا في اسعار النفط، مشيرا الى ان التحرك من أجل توسيع القاعدة الانتاجية من خلال الاستثمارات النوعية الكبيرة تأخر لسنوات طويلة.وطالب بضرورة الاستفادة من المزايا النسبية التى تتمتع بها المملكة من اجل استقطاب الاستثمارات الاجنبية ومن ابرزها ارتفاع القوة الشرائية فى سوقها الضخم بالاضافة الى موقعها المتميز، وتوفر العمالة الرخيصة. واشار إلى أن من بين المزايا التى يتمتع بها المستثمر الاجنبي في المملكة أيضا، تطوير التشريعات المتعلقة بحماية الاستثمارات وتخفيف القيود على الاستثمار في العديد من القطاعات المالية والعقارية والاتصالات، فضلا عن طبيعة السوق السعودي المفتوح. وأشار الى ان الاستثمارات الاجنبية كانت محدودة للغاية في عام2000 قبل اصدار قانون الاستثمار الاجنبي الذى صدرت له لائحة جديدة مؤخرا بهدف التعزيز من حضوره كمصدر رئيسي لدعم جاذبية الاقتصاد الوطني. واتفق مع الرأى السابق بضرورة فلترة اوضاع الاستثمارات الاجنبية ومنح المخالفين فرصة لتوفيق الاوضاع، ومن ثم سحب الترخيص في حال الاصرار على المخالفة. ضوابط للاستثمار والتقط طرف الحديث الخبير الاقتصادي الدكتور حبيب الله تركستاني مؤكدا على اهمية الالتزام بالضوابط الموضوعة للاستثمار الاجنبي وعدم الحياد عنها، وفي صدارتها مدى مساهمته في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد على النفط، كما يشترط ايضا ان تؤدى هذه الاستثمارات الى نقل المعرفة وتوطين التقنية، مشيرا الى انه رغم رفع هذا الشعار منذ عدة سنوات الا ان المتحقق في هذا الجانب لا يزال دون مستوى التوقعات.كما انه من الضرورى ان تسهم هذه في زيادة الصادرات والتقليل من الواردات، مشيرا الى ان الصادرات غير النفطية في المملكة ما زالت محدودة للغاية، ولا تتوافق على الاطلاق مع عدد السكان او الناتج المحلى الاجمالى الذى يزيد على 2.5 ترليون ريال. واشار الى ان التوسع في الاستيراد سنويا قد يفاقم من الضغوط التضخمية في المرحلة المقبلة بعد الصعود القوى للدولار في الفترة الاخيرة لمعدلات غير مسبوقة في 9 سنوات، وطالب بأن تمثل الاستثمارات الاجنبية اضافة قوية للقوى البشرية السعودية، من خلال زيادة التوطين في هذه المشاريع، مستغربا استمرار التحايل على نسب السعودة في هذا القطاع ايضا. وأعرب عن امله في ان تسهم الاستثمارات الاجنبية في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطنى ودعم التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة، ودعا الى تكريس الجهود في الفترة المقبلة من اجل انعاش المدن الصناعية في رابغ وحائل وجازان والمدينة المنورة حتى تتوسع في استقطاب الاستثمارات الاجنبية. وأشار الى ان المملكة بحاجة الى استثمارات ضخمة خارجية في مجالات الصناعة والصحة والتعليم والاتصالات والنقل والخدمات اللوجستية. واستعرض العديد من الاخطاء في المرحلة الماضية، ومن بينها عدم التركيز على سابقة اعمال وخبرات المستثمر الاجنبي السابقة حتى يمكن الاسترشاد بما يمكن تقديمه بصورة حقيقية عند منحه التراخيص، كما لم يتم التركيز بصورة قوية على إلزام المستثمر بخطة تنمية قدرات السعوديين وفق نسبة سعودة 75% على الاقل، مع السماح لشركات لا تنطبق عليها المعايير من الاساس بالدخول لاسيما في ما يتعلق بتوطين التقنية وتعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي في الاسواق العالمية. وفي ما يتعلق بمشاريع المقاولات، قال من المفترض أن تقدم هذه الشركات الاجنبية اضافة نوعية في انجاز المشاريع بجودة عالية بدلا من ان تفاقم التعثر في هذا المجال، ولفت الى تجربة الاستعانة بشركات صينية في مجال انشاء المدارس دون أن تنجح وذلك لعدم توفير الامكانات المناسبة لها فضلا عن البيروقراطية الادارية التى وأدت المشروع في مهده. التلاعب لدخول السوق وشاركنا الرأى رجل الاعمال سيف الله شربتلي مشيرا الى ان المزايا التى حظي بها المستثمرون الاجانب كبيرة في المملكة، الا ان التلاعب من اجل الدخول الى السوق ما زال يمثل تحديا رئيسيا ينبغى الالتفات له بحسم في المرحلة المقبلة وتطبيق العقوبات التى تصل الى سحب الترخيص والشطب النهائي من ممارسة النشاط. ولفت الى ان الحكم على تجربة الاستثمارات الاجنبية ينبغى ان يكون مرهونا بما حققته على الارض من نتائج محددة في مجال زيادة الصادرات الى الخارج وتوطين التقنية ودعم السعودة، معربا عن اعتقاده بأن الامور ما زالت في البدايات مع مرحلة التصحيح التى يشهدها القطاع مع قدوم عبد اللطيف العثمان محافظا للهيئة. ودعا كافة الجهات الحكومية الى ضرورة التعاون بجدية من اجل ازالة اى معوقات لاستكمال المدن الصناعية التى تمثل بيئة خصبة للاستثمارات الاجنبية. واشار الى ان المملكة حفزت المستثمر الاجنبي بالعديد من المزايا منها امكانية الاقتراض من مؤسسات الاقراض المحلية وتحديد نسبة الضريبة على الربح ب20% فقط، مقارنة بنسبة تصل الى 40% في العديد من الدول الاخرى، كما يتيح له النظام ايضا امكانية ترحيل الخسائر من عام الى اخر. ويجوز للمستثمر الاجنبي الحصول على اكثر من ترخيص في نفس المجال، كما يمكنه شراء منشآت استثمار محلى أو أجنبي اوتملك حصص في شركات أخرى. النمو بلغة الأرقام من جهته، قال الاقتصادي مقبول بن عبدالله الغامدي: بلغة الارقام شهد الاستثمار الاجنبي قفزة نوعية كبيرة من 49 مليار ريال بنهاية عام 2006 الى 199 مليارا في عام 2013 ووفقا لتقرير منظمة الاونكتاد التابعة للامم المتحدة،بلغ حجم الاستثمار الاجنبي في 2013 حوالى 9.3 مليار دولار مقابل 13 مليار دولار في عام 2012 و16 مليارا في عام 2011، بينما بلغت الاستثمارات الاجنبية في عام 2010 حوالى 29 مليار دولار و39 مليارا في عام 2008 و36 مليارا في عام 2009. واستعرض المزيد من المزايا التى يتمتع بها المستثمر الاجنبي من خلال عمله في اطار شركة ذات مسؤولية محدودة او شركة مساهمة أو فرع لشركة اجنبية، وفي صدارتها حقه في اعادة تحويل نصيبه من بيع حصته، أو فائض التصفية من الارباح الى الخارج، كما يجوز له تملك العقار اللازم للاستثمار، بينما تكون كفالة المستثمر الاجنبي وموظفيه غير السعوديين على منشأة مرخصة. اما من الناحية القانونية، فانه لا تجوز المصادرة الا بحكم قضائي، كما لا يجوز نزع الملكية الا للمصلحة العامة وبعد الحصول على التعويض المناسب. واشار الى ان الهدف من الاستثمارات الاجنبية ليس تحسين الارقام فقط، وانما ان تنعكس على الاقتصاد الوطنى في تكوين قاعدة انتاجية قوية يعتمد عليها في توفير الاحتياج المحلى والحد من الواردات السنوية التى ترهق الدولة باكثر من 600 مليار ريال. كما يجب ان تمثل هذه المشاريع قيمة اضافية للاقتصاد الوطنى ولا تنافس المشاريع التى يستطيع المواطن او المستثمر المحلي القيام بها.