تناولت الحديث عن قضايا المتقاعدين أكثر من مرة سواء أكانوا تحت مظلة مصلحة معاشات التقاعد أم تحت مظلة التأمينات الاجتماعية - والمظلة هنا مجازية وإلا فهم لا مظلة تحميهم - ومثلي كتب آخرون ولكن تلك الكتابات كلها لم تلق أذنا صاغية وذهبت أدراج الرياح وبقي المتقاعدون وكما كانوا دون أي حماية أو رعاية وكأنهم لم يمضوا أعمارهم في خدمة بلادهم ورعايتها سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين . لكن الخبر الذي نشرته (عكاظ) حول الخلافات الداخلية في جمعية المتقاعدين أعادني الى موضوع التقاعد والمتقاعدين وتساءلت وأنا أقرأ عنوان الخبر : على أي شيء يختلف هؤلاء وهل عندهم شيء يستحق الخلاف؟! الجمعية الأسبق ترأسها الفريق الهنيدي وحاول كثيرا أن يقدم شيئا للمتقاعدين - وهو واحد منهم - لكنه لم يستطع لأن العوائق كثيرة والجهات ذات الاختصاص والتي كان بإمكانها فعل شيء لم تقدم للمتقاعدين أي شيء !! وللأمانة قدمت الوعود الجميلة وربما ظنت أن هذه الوعود تكفي المتقاعدين فوقفت عندها !! ثم تولى رئاسة الجمعية العميد فاروق الحارثي ولا أعتقد أنه استطاع عمل شيء أفضل من سابقيه، هذه الجمعية وبحسب (عكاظ) أصدر وزير الشؤون الاجتماعية قرارا بحلها لوجود خلاف بين أعضائها وعين آخرين بدلا عنهم ، وشخصيا أعتقد أنهم لن يقدموا شيئا لجمعيتهم لأن أساس المشكلة ليس من قلة السعي لتطوير الجمعية ولكن لأن جهات الاختصاص لا تريد خدمة منسوبيها على الإطلاق وكذلك الدوائر الحكومية والاهلية هي الأخرى رأت تقاعسا من مصلحة التقاعد والتأمينات ففعلت مثلهم!! أعود الى مطالب وتطلعات المتقاعدين في بلادنا فأراها في غاية البساطة بل وأراها واجبة التنفيذ حتى وإن سكتوا عنها لأن الجهات التي ينتمون اليها كان من واجبها هي أن تسعى الى تحقيقها لأن تحقيقها من أولويات واجباتها !! هناك دراسات شبه رسمية أكدت أن الحد الأدني الذي يكفي لإعالة عائلة سعودية في حدود خمسة أشخاص هو ثمانية آلاف ريال شهريا ، ولا أظن أن هذه الدراسة ودراسات أخرى غيرها كانت غائبة عن أعين جهات الاختصاص التقاعدية، وأجزم أن أصحاب القرار فيها يعرفون ذلك حتى وإن لم تكن هناك دراسات فماذا فعلوا أمام هذا الوضع وهم يعرفون أن عشرات الآلاف من متقاعديهم لا يحصلون على نصف ذلك المبلغ ؟! ألم يتساءلوا: كيف سيعيش هؤلاء مع أسرهم ؟! ألم يستشعروا أن تحسين عيش هؤلاء جزء من مسؤوليتهم ؟! قطعا سيقدمون عشرات الحجج والأعذار النظامية وقد سمعناها منهم كثيرا ولكنني أعتقد أن الحريص على خدمة منسوبيه - وهذه ليست خدمة عابرة بل تصعب الحياة بدونها - يستطيع فعل الكثير لا سيما وأن قادة البلاد سيقفون معهم وهم الحريصون على راحة مواطنيهم فهل فعلوا شيئا من هذا ؟! شخصيا لم أسمع شيئا وأتمنى أن أسمع، وجمعية المتقاعدين لا تستطيع فعل شيء في أهم متطلبات المتقاعدين مادام القادرون محجمين عن فهل شيء!! في معظم بلاد الدنيا هناك نواد رياضية واجتماعية للمتقاعدين وهم كما نعرف في أمس الحاجة لها ولكن مصلحة التقاعد بفرعيها أصمت أذنيها عن المطالبات الكثيرة لتخصيص نواد لهم والحجج هي الحجج المكررة : عدم وجود إمكانيات !! ولأن الجمعية كما يبدو لي يئست من جهات الاختصاص فقد لجأت إلى (التسول) من الجهات الأهلية لعل وعسى !! أرادوا تأمينا صحيا وتخفيضا في الإركاب بكل وسائله وفي الفنادق وما شابه ذلك ولكن - وبحسب معرفتي - يسمعون وعودا ولا يرون لها تحقيقا، وسمعت أنهم لجأوا الى وزارة الداخلية لتعفيهم من رسوم الاستقدام والجوازات وتجديد الرخص وما شابه ذلك. ومرة أخرى لو أن مصلحة التقاعد والتأمينات هي من تولت السعي لتحقيق تلك المطالب ربما أمكن تحقيقها لكنهم أصروا على تجاهل منسوبيهم ولو فكر هؤلاء أنهم قد يصبحون مثلهم لربما تغيرت طريقة تعاملهم معهم!! كثيرون تحدثوا عن تقليل سن التقاعد خاصة للنساء ومع معرفتي أن بلادنا من أقل الدول في هذا الباب لأن سن التقاعد في بلادنا هو الستون الهجرية أي ما يقارب سبعا وخمسين سنة ميلادية إلا أن تقليل السن إلى خمس وخمسين سنة مع الاحتفاظ بنفس مميزات الستين سيخدم قطاع الشباب الذين لا يجدون فرصا كافية للعمل كما أنه سيخدم الموظفات بشكل أكبر نظرا لظروفهن الأسرية التي نعرفها جميعا. أعود إلى الجمعية (اليتيمة) ومع أنني أعرف عددا من أعضائها وأعرف أنهم ممتازون ومخلصون إلا أنني أنصحهم بالتأكد من جدية مصلحة معاشات التقاعد وكذلك التأمينات في التعاون معهم وإلا فليريحوا أنفسهم ويريحوا غيرهم وليدعوا المتقاعدين لربهم فهو أرحم بهم.