تصادف وجودي وعائلتي في باريس يوم الحادث الإرهابي الأسبوع الماضي الذي راح ضحيته مجموعة من الفرنسيين العاملين في المجال الصحفي في إحدى الصحف الفرنسية، ومع صوت صفارات الإنذار التي هزت العاصمة الفرنسية سألت زميلي أحد كبار الدكاترة الفرنسيين عن الأسباب فنقل لي بعض الأخبار المتداولة لحظة الحادث. وبعد ساعات علمت بتفاصيل الحادث من القنوات الإخبارية العالمية والغربية التي لوح بعضها بأن الحادث الإرهابي وراءه مجموعة من المسلمين المتشددين، وبحواري مع زميلي أستاذ الجامعة الفرنسي قلت له إن المسلمين الحقيقيين لا يقدمون على مثل هذا العمل، وإن ديننا الإسلامي يحرم قتل النفس البشرية بدون حكم قضائي على فعل يستدعي القتل يصدق من أعلى جهة قضائية، وأكدت له أن الإسلام والمسلمين بريئان من أي عمل إرهابي يستهدف قتل الأبرياء حتى لو كانوا غير مسلمين، وإن العرب والمسلمين تعايشوا مع الغرب منذ مئات السنين وفرنسا على وجه الخصوص يعيش فيها ملايين من المسلمين العرب وجنسيات أخرى بما فيها مسلمون فرنسيون تعايشوا بسلم وعملوا وخدموا المصالح الفرنسية في جميع المواقع من عمال تنفيذيين ومزارعين إلى وزراء ورؤساء جامعات وأطباء وإن الحرية التي منحها النظام الفرنسي للفرنسيين المتجنسين بالجنسية الفرنسية والمقيمين في فرنسا هي حرية تضمن لهم دينهم وحقوقهم وممارسة شعائر دينهم وبناء مساجدهم وجمعياتهم الخيرية الإسلامية وسهلت لهم جميع الإمكانات لتكملة دينهم وسفرهم لأداء فريضة الحج وأداء مناسك العمرة. كما أن النظام الفرنسي كفل حماية الحقوق وأمن المقيمين والزائرين لفرنسا والمستثمرين فيها. وتعتبر العلاقات السعودية الفرنسية من العلاقات المتميزة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومواقف فرنسا الداعمة للقضايا العربية واضحة وصريحة ومسجلة وتعتبر فرنسا من أكبر الشركاء الاقتصاديين للمملكة العربية السعودية حيث تجاوز حجم الاستثمارات الفرنسية السعودية المشتركة في المملكة 75 مليار ريال حصة الجانب الفرنسي 27 مليار ريال وتتركز في القطاعات الصناعية والخدمات المالية والاستشارات الهندسية والمقاولات وتعتبر تجربة الاستثمارات الفرنسية في المملكة من التجارب الناجحة والواعدة للمستقبل ونتطلع إلى المزيد من المشاركة الفرنسية في التنمية المستدامة في المملكة. وتعتبر فرنسا من أهم الشركاء في التجارة الخارجية للمملكة حيث تتصدر المملكة قائمة الشركاء التجاريين لفرنسا في منطقة الخليج والمرتبة الثانية في الشرق الأوسط حيث بلغ حجم التبادل التجاري 52 مليار ريال سعودي منها عشرون مليار ريال واردات من فرنسا و 32 مليار ريال صادرات من المملكة لفرنسا. وهناك العديد من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين في مجالات التعاون الاستثماري والاقتصادي والتقني والفني والثقافي والعلمي والصحي ومنها اتفاقية الازدواج الضريبي واتفاقية التعاون في مجال النفط والغاز واتفاقية التعاون في مجال الطاقة وفي مجال التدريب. ويعتبر السياح العرب الخليجيون والسعوديون فرنسا إحدى أهم المحطات السياحية في إجازاتهم وعطلهم السنوية ويستثمر العديد من السعوديين في شراء المنازل الخاصة بأنواعها والفنادق والمنتجعات السياحية والترفيهية في المناطق السياحية، وتعتبر السياحة والسياح الخليجيون ضمن القائمة الأولى والمفضلة للفرنسيين لإنفاقهم ومدة بقائهم في فرنسا. إن العلاقات القوية والمتينة والقديمة بين المملكة ودول الخليج ودول الشرق الأوسط تؤكد أنها لن تتأثر مهما حاول بعض الخارجين من الإرهابيين ممن يدعون الإسلام أو من ديانات أخرى فهم يمثلون أنفسهم ولا يمثلون المسلمين، فالمسلمون دعاة سلام والمملكة وقياداتها عبرت منذ زمن طويل دائما عن مواقفها ضد الإرهاب بل ساهمت ولازالت تساهم في محاربة الإرهاب أينما كان. ولقد عانت المملكة كثيرا من الأعمال الإرهابية والإرهابيين. ولا يسعني سوى أن أقدم العزاء لأسر الضحايا من الأعمال الإرهابية في أي دولة ومن أي جنسية وديانة مؤكدا بأن الإسلام والمسلمين في كل مكان في العالم يدينون هذه الأعمال الإرهابية. وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك من يعمل وبكل الجهود الخفية لأن يسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين لإشعال الفتنة بين المسلمين والغرب وللأسف تحدث هذه الأعمال الإرهابية عند أي تقارب عربي أو إسلامي مع دول غربية. فعلاقاتنا ينبغي أن لا تتأثر ومصالحنا المشتركة تجبرنا على تجاوز الصعاب ومحاربة الفتن. وستظل فرنسا والفرنسيون أصدقاء للعرب والمسلمين وسيظل كذلك العرب والمسلمون.