نتحدث عن مخاطر الإرهاب ما بين آونة وأخرى خاصة عندما نرى الجرائم التي يرتكبها هؤلاء في بلادنا خاصة وفي بعض البلاد الأخرى عامة، ولا سيما أن هؤلاء الإرهابيين يتكؤون على الإسلام في تبرير جرائمهم، بينما الإسلام بريء منهم ومما يفعلون، فقد شوهوه وأساؤوا إليه وإلى أتباعه بتلك الجرائم التي يرتكبونها باسمه!! ولأن بلادنا تعرضت وما تزال لعدد من الموجات الإرهابية كان آخرها تلك الجريمة التي ارتكبت في مركز سويف التابع لجديدة عرعر فجر الاثنين الماضي والتي راح ضحيتها عدد من الشهداء وعدد من المصابين نسأل الله أن يتغمد الشهداء برحمته وأن يعجل بشفاء المصابين، من أجل ذلك ونظرا لخطورة الإرهاب فقد خصه سمو ولي العهد الأمير سلمان بجزء من كلمته التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، فقد أكد على أهمية الأمن في بلادنا وأنه هو الهاجس لكل أبناء المملكة، كما أشار إلى أن المملكة في العام الماضي شهدت محاولات مستميتة للنيل من استقرارها ووحدتها ولكن مؤسسات الدولة الأمنية وقفت لها بالمرصاد واستطاعت إفشال كل مخططاتها. الإرهابيون حاولوا زعزعة الأمن سواء عن طريق جنوب المملكة أو عن طريق شمالها، ولكنهم فشلوا في الحالتين كما فشلوا في كل محاولاتهم في السنوات الماضية؛ صحيح كان هناك شهداء نحتسبهم شهداء عند الله لأنهم كانوا يؤدون واجبهم في الذود عن أمن بلدهم مهما كانت التضحيات، كما أن الدولة بحكومتها وشعبها وقفت إلى جانب أسرهم ورعتهم بأحسن أنواع الرعاية وعدهم إخوانهم شهداء يستحقون كل أنواع التكريم والتقدير والاحترام. الجريمة التي حدثت في منتصف الأسبوع الفائت راح ضحيتها العميد عودة البلوي قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية وكذلك العريف طارق حلوي والجندي يحيى نجمي، كما جرح بسببها العقيد سالم العنزي ويحيى مقري وقد تم نقلهما للمستشفى للعلاج، وأسأل الله لهما الشفاء العاجل أما الإرهابيون فقد تم قتلهم جميعا. الإرهابيون يعتقدون أنهم جاؤوا للقيام بعمل ديني مشروع وهذا هو لب المشكلة مع هذا الصنف من الإرهابيين الذين يمكن تصنيفهم أنهم أشباه عوام تنطلي عليهم أكاذيب مفتيهم الذين لا يختلفون عنهم كثيرا في درجة العلم فمعظمهم لم يتخرج من الجامعة أو لا يعرف العلوم الشرعية بشكل صحيح ووجد نفسه فجأة مفتيا لقومه وفي أجواء مشحونة بالجهل والتعصب والاندفاع وهذا كله يدفعهم للافتاء لأتباعهم بما يعتقدون أنه يرضيهم ويحقق درجة الغرور التي تملأ نفوسهم وقلوبهم؛ ولهذا وجدنا أن الإفتاء بالقتل أصبح من أهون الأمور وأسهلها عليهم!! وقد شاهدناهم يقتلون مئات من العلماء الذين يفوقونهم علما ومكانة وكان هؤلاء يشاركونهم الجهاد ضد طاغية الشام بشار الأسد، فإذا كانت هذه نظرتهم لأولئك فكيف ستكون نظرتهم وحكمهم على الآخرين؟! إن العمل الإجرامي بصورته التي رأيناها قبل أيام تؤكد أن قادة الإرهاب يئسوا من قدرتهم على التأثير على مجريات الأمور في بلادنا فدفعهم حقدهم ويأسهم للتصرف بحماقة غير مسبوقة ولا مفهومة. الشهيد عودة البلوي كان صائما وقت استشهاده؛ حيث كان - رحمه الله - يصوم الأيام البيض في هذا الشهر، فهل هذا الرجل يعد كافرا مستحقا للقتل؟!! في نظر هؤلاء نعم، ولولا جهلهم المفرط بأبسط أبجديات الإسلام لما ارتكبوا تلك الجريمة بحقه وبحق زملائه!! بل لولا جهلهم المفرط لما قبلوا أن يكونوا مطايا لسادتهم يدفعونهم للموت وفي أبشع صوره!! يرتكبون تلك الجرائم العظام وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأنهم يخدمون دينهم وما عرفوا أن الأمر على غير ذلك. الإرهابيون تسللوا من العراق وما كان ينبغي على حكومة العراق أن تمكنهم من ذلك، وقبل هذه الجريمة ارتكب المجرم البطاط - الذي قيل إنه قتل - جريمة بحق بلادنا حينما أطلق بعض الصواريخ باتجاه بلادنا ومن العراق أيضا!! ولعل العراق تتخذ خطوات إيجابية لمنع هذه الجرائم مستقبلا. هذه الحوادث سواء ما أتى منها من الشمال أم الجنوب ينبغي أن تدفع لإعادة النظر في موضوع التسلل كله خاصة من اليمن التي يتسلل منها مئات الآلاف ولا أستبعد أن يكون من بين هؤلاء من يعمل على الإساءة للوطن ومنهم الحوثيون والقاعدة. وفي سياق الحديث عن الإرهاب ألاحظ أنه في كل مرة تحدث فيها عملية إرهابية يسارع البعض لاتهام المناهج الدراسية أو خطب الجمعة وكأن هؤلاء هم وراء الإرهاب كله!! في ظني أن توزيع الاتهامات عمل غير صحيح على الإطلاق؛ فالمناهج وضعها أبناء هذا الوطن الموثوقون وقد جرت مراجعتها مرارا وتكرارا وفي ظل معظم وزراء التربية والتعليم، كما أن الخطباء يتم اختيارهم بدقة، كما يتم تزكيتهم من الجهات الأمنية، ولهذا لا يصح رمي التهم هكذا جزافا!! لقد اشتكينا طويلا من التصنيف ولكن البعض لا يزال يصر عليه ظانا أنه قد يحقق له بعض المصالح وما علم هؤلاء أنه يدمر الوطن ويفرق أبناءه وأنه قد يكون واحدا من أسباب الإرهاب!! الإرهابيون ليسوا سعوديين فقط؛ فهناك أمريكان مارسوا الإرهاب وهناك إرهابيون من كثير من دول أوروبا وهؤلاء لم يعيشوا بيننا ولم يدرسوا في مدارسنا ولم يستمعوا لخطبائنا ومع هذا تجدهم مع القاعدة ومع داعش وغيرها!! مقاومة الإرهاب بحاجة إلى حزمة متكاملة من الإجراءات تسير وفق نسق معين، وهذه قد تحد منه ولكنه سيبقى لأنه ليس ابن اليوم فقد عرف من آلاف السنين في صور متنوعة وستستمر بعض صوره موجودة إلى قيام الساعة. رحم الله شهداءنا وشفى مرضانا وجنب بلادنا الفتن.