لما كان عليه الصلاة والسلام في حراء جاءه جبريل لأول مرة فقال : (اقرأ) فقلت : ما أنا بقارىء . فأخذني فغطني أي عصرني وضمني وخنقني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارىء . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم } ولما عاد عليه الصلاة والسلام إلى منزله وفؤاده يرجف قال لزوجته خديجة : زملوني زملوني. ثم أخبر خديجة وقال لها : لقد خشيت على نفسي. فقالت : كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتصدق الحديث وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. لقد فصلت خديجة رضي الله عنها أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أعرف الناس به قبل أن تنزل الآية {وإنك على خلق عظيم} . وقبل أن تنزل آية {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، وقبل نزول آية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فذكرت رضي الله عنها أنه يصل الرحم وأنه يحمل الضعيف وأنه قوي في تحصيل ما لم يستطع غيره أن يحصله إذا احتاج محتاج لمعونته وإنه كريم في استقبال الأضياف وأنه صادق الحديث وأنه إذا وقعت مصيبة فهو سند ومؤازر لمن يصاب بها في الحق. أما السيدة عائشة رضي الله عنها فقد سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه. وكما كان عليه الصلاة والسلام كريما أمينا صادقا وصولا للرحم كامل الأوصاف الجسمانية والمعنوية فقد نزهه الله سبحانه عن السحر وعن الكذب وعن الجنون. قال تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} وقال سبحانه { وما صاحبكم بمجنون} وقال جل وعلا {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ولما رآه حبر اليهود عبد الله بن سلام قال : لما رأيت وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب. وذكر مؤلف كتاب (الشفا) : عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال : وفد وفد النجاشي فقام النبي صلى الله عليه وسلم يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك . قال : إنهم كانوا لأصحابنا مكرِمين ، وأنا أحب أن أكافئهم. لقد كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة يمكن أن يصل إليها بشر في حسن الخلق بل إنه قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». السطر الأخير : رحمة كله وحزم وعزم ... ووقار وعصمة وحياء.