(فلا تزكوا أنفسكم وهو أعلم بمن اتقى) أحكامنا على الناس وأخلاقهم تبنيها المظاهر والشكل الخارجي، فلا زلنا مجتمعا حبيس الرؤية الخارجية ولا يهتم بالمضمون، لذلك نجح الآخرون وبنوا أمجادهم على أساس الثقة والعمل، ونحن في مكاننا نحكم على مثابر بزيه البسيط، وعلى مفكر بسيارته الخربة، وعلى مسؤول متواضع بالسذاجة لأنه تواضع لعجوز فقير. ولكن برغم تلك الرؤية التي لا تهتم بالمضمون، فتحت لنا كارثة جدة بارقة أمل عندما انتفض الشباب لنجدة المتضررين من السيول، ليفتح بعدها باب التطوع على مصراعيه ويبادر الشباب متطوعين في مجالات عدة ويساهمون في بناء مجتمعهم عن طريق التوعية والمساعدات الإنسانية وحتى العمل للمؤسسات الاجتماعية، كما ظهرت بذرة الخير في مجتمعنا عندما رأينا مساعدة المحتاجين كما وضحت إنسانيتهم وفي رمضان امتلأت المساجد منهم بالصلاة، في الصفوف الأولى وفي الحج وتوزيع المأكولات والمشروبات على ضيوف بيت الله الحرام وفي الجمعيات الخيرية وغيرها من أعمال إنسانية تبهج الفؤاد وتشرح الخاطر، ليكتظ مجتمعنا وبفضل الله بالشباب والفتيات المحبين للخير والأعمال التطوعية التي من المفترض أن تساهم في تغيير مفهوم المجتمع بالحكم على المظهر العام أو الخارجي وتحطمت الفوارق، فالكل يجتمع لحب الخير ومبدأ الإنسانية. وكما قال رسولنا الكريم «إِن الله لا ينظر إِلى صورِكم وأموالِكم ولكِن ينظر إِلى قلوبِكم وأعمالكم» ليضع طريقة علاج ناجعة للأمم والمجتمعات تؤكد على البحث في مضمون البشر وأعمالهم وإنجازاتهم وأن نترك المظهر للقاعدين والكسالى وأصحاب المظاهر، في هذا الحديث تتجلى أسس التعامل وتختصر آلاف المؤلفات، ففيه القصة الكاملة للتعامل بين البشر، فما لنا وما يرتديه الآخرون من ملابس وما يركبه الناس من سيارات، والخواتيم بالأعمال. وما أثار في هذه القضية ما أسمعه من أحكام عاجلة على الشباب اليوم دون اللجوء لقاعدة المضمون، فكثير يشيرون إلى شاب ويطلقون عليه مرة «كدش» ومرة «طيحني» وتلك يتحدثون عن حجابها وغيره، وقد يكونون من أسرع الناس للعمل الخيري. واجتمع ما يسمي بالكدش ومرتدي السلاسل والعبايات الملونة وغير مرتديات الحجاب وغيرهم ممن لامهم المجتمع على مظهرهم الخارجي ولم ينظر لدواخلهم، وكارثة جدة أثبتت ذلك وأنه لا يحق لأحد منا الحكم بالظواهر، لذا نأمل بتنظيم وتطوير الجهود الفردية وضمها تحت مظلة حكومية وتفعيلها كما نتمنى من رجال الأعمال دعم هذه الفكرة لصالح مجتمع صالح يرقى بالإنسانية. رسالة إلى شبابنا أنتم ثمرة زرعناها وحصاد خير غرسناه فكونوا لنا مفخرة لمجتمع نرتقي به وقدوة لمجتمع قادم تفخر به الأمم.