تشكل القرية الأثرية في مدينة الأطاولة بمحافظة القرى، إرثا تاريخيا، يستهوي الزوار، خاصة أنها تعكس جانب الحياة القديمة التي عاشها الآباء والأجداد، والتي تمثل ضرورة للأبناء للتعرف على النقلة الحضارية التي شهدتها البلاد، ومدى براعة الأيادي الوطنية في تشييد المباني. في الأطاولة تجد كل شيء سعوديا، بل تجده انتاجا يجسد أصالة وقدرة أبناء القرية، بعدما استطاعوا تشييد مبان احتفظت بقوتها في الصمود على مدى 200 عام، وشكلها الجمالي رغم كل تلك المدة. «عكاظ» زارت القرية الأثرية، لتجد في مدخلها منحوتة جدارية كتبت عليها أسماء العوائل التي سكنت تلك القرية ويتجاوز عددها 11 عائلة، يصل نسب بعضها للبيت النبوي الشريف. كما تحوي القرية إلى جانب المنازل العديد من المباني الأثرية ومنها مقر طارفة القرى ويقابلها اليوم تسمية المحافظة، وبها سجن الطارفة الملحق بها. يقول محمد بن بخيت درعان الزهراني المعلم متقاعد وأحد أبناء مدينة الأطاولة: نالت القرية عناية جيدة إذ تم ترميمها وتجديد عدد من مرافقها منذ سنتين مع الحفاظ على شكلها القديم، وقامت بالترميم لجنة التنمية بالأطاولة وكذلك بلدية المحافظة والمحافظة. كما حظيت القرية بزيارة رئيس الهيئة العامة للسياحة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، حيث أبدى إعجابه بما رأى وذكر أنها تتميز عن مواقع كثيرة بحفاظها على كافة مكوناتها، واعتبرها سموه منجزا إنسانيا نظراً لتكامل مرافقها ولضخامة الأحجار التي بنيت بها مع قلة وبساطة الأدوات المستخدمة في البناء آنذاك، مما يعطي دلالة على عبقرية الإنسان الذي بناها وتمسكه بالحياة وحرصه على الإنجاز والعطاء. ويكشف محمد أن كل ما يدخل في بناء القرية من أخشاب وأحجار هي من البيئة المحلية وكل من شيدوها هم من أبناء القرية الذين كانوا متخصصين في أعمالهم، فطائفة منهم تبني الجدران بالأحجار الكبيرة ثم يأتي بعدهم آخرون يسدون الفجوات بحجارة أصغر في عملية تسمى بالكحل، كما عمل المختصون على تسقيف البيوت بالأخشاب ومن ثم خلط التبن مع الطين باستخدام الماء وإتمام عملية التسقيف. دخلنا إلى أحد البيوت حيث ينقسم إلى طابقين (دورين) الجزء الأرضي يسمى بالسفل وهو لسكنى دواب أهل المنزل، أما الطابق الثاني فهو لأهل المنزل، وفي بعض البيوت هناك طابق ثالث له درج من خارج المنزل. ويلفت محمد النظر إلى أن متوسط عدد الأسرة الواحدة ربما لا يزيد على أربعة إلى خمسة أشخاص. وتتخلل بيوت القرية طرقات لعبور الناس ومواشيهم وتسمى بالسالبة أو المسراب وجمعها المساريب. وقفنا أمام مبنى مدرسة الأثري والتي يعود تأسيسها إلى سنة 1372ه كمدرسة حكومية وسبقتها كتاتيب في مسجد القرية، ومن أهم من درس بالمدرسة إبراهيم الغبيشي من قرية الحلاة في الستينيات الهجرية. ويذكر كبار السن أن الغبيشي تعلم في اليمن، أما مدير المدرسة جمعان بن سعيد الهلالي فلم يكن يحمل مؤهلا دراسيا لكنه يقرأ ويكتب، وحدث بينه تنافس مع مدرس آخر فأجريت انتخابات فاز بها جمعان، وكان غالبية المدرسين بالمدرسة من مصر ثم أعقبهم مدرسون من الشام وخاصة فلسطين. ويوضح محمد أنه تلقى التعليم على أيدي مدرسين عرب وسعوديين تخرجوا من معاهد المعلمين في الظفير وبني ظبيان والأطاولة ثم التحق عدد منهم بمركز الدراسات في الطائف وهو يعادل الشهادة الثانوية. وهناك بيت الشيخ أو مقر المشيخة تمت الاستفادة منه حاليا كديوانية تعقد بها ندوات أدبية وأمسيات شعرية، ويتوسط ديوانية الشيخ عمود من جذع شجرة منقوش عليه السنة 1301ه. شاهدنا في أحد منازل القرية متحفا يحوي نوادر تراثية ما بين ملابس رجالية ونسائية وأدوات زراعية وصناعية وغيرها من أدوات المطبخ. أما مسجد القرية فهو باق على حالته القديمة بمحرابه ومنبره البسيط. وأعمدته المعمولة من أخشاب البيئة المحلية مثل أشجار العرعر والعتم (الزيتون). وملحق بالمسجد نظام متكامل للوضوء وكذلك الاستحمام إذ توجد بركة مغطاة تتم تعبئتها بمياه الأمطار من خلال فجوة بسقفها وحين تقل الأمطار تقوم النساء بتعبئتها بالقرب المملوءة بمياه الآبار. كما توجد بالقرية منطقة تسمى الجرين وهي أرض مرصوفة بالحجارة ومحاطة بها وتخصص لدرس محاصيل الحبوب حيث تنشر المحاصيل ثم تجر عليها الدواب، الخورمة وهي حجر ضخم يحول المحصول إلى تبن يفرز تاليا عن الحبوب. يقول محمد: يعتبر حصن دماس من أبرز مكونات القرية التراثية بالأطاولة حيث يبلغ ارتفاعه قرابة 40 مترا يعود إلى أزمنة بعيدة قبل أن يتم تنقيط الحروف.