هل نضجت الظروف الموضوعية الآن لتحقيق اتحاد خليجي بين دول مجلس التعاون الخليجي الحالي.. أو التوسع في الصيغة لكي تصبح هناك نواة عملية لاتحاد عربي تشارك فيه كل من المغرب والأردن واليمن؟ أو أن الوقت ما زال مبكرا للإقدام على خطوتين في آن واحد فما بالنا ونحن نحلم بأن تكون دولة كبيرة مثل جمهورية مصر العربية أيضا في مقدمة هذا الكيان الاتحادي المأمول؟ السؤال كبير للغاية.. ومتفائل إلى أبعد الحدود.. وقد يجد البعض فيه مبالغة أيضا لأنه من وجهة نظر البعض يتجاهل حقيقة الوضع المضطرب حتى الآن في بعض دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن الشقيق الذي يتزايد الشعور لدى الجميع بضرورة الاقتراب منه أكثر.. ومساعدته على تجاوز أوضاعه المتردية وعدم تركه نهبا لتدخلات خارجية تريد أن تجعل منه خنجرا في الظهر العربي.. وتحوله إلى بؤرة جديدة للصراعات الدولية.. ومادة «حراقة» لعودة الحروب الباردة بين الكبار لا سيما إذا أحكم «الحوثيون» ومن ورائهم الإيرانيون سيطرتهم على بوغاز «باب المندب». لكن السؤال يظل مشروعاً.. بل ومفتوحاً.. لمطلب ربما يتحقق في مرحلة تالية. ولذلك فإن الحديث -في الوقت الراهن- لا بد أن يتوقف عند الاكتفاء بالسؤال عما يتوقع تدارسه ومناقشته في قمة الدوحة الخليجية خلال يومي 9 و10 ديسمبر الحالي.. وتحديدا يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين 17 و18 صفر الحالي..؟ وبتعديل بسيط في صيغة السؤال.. فإن الصيغة الجديدة تصبح هي: ماذا تنتظر شعوب الخليج من قمة الدوحة.. وما بعدها؟ الجواب بكل بساطة هو: (1) الاتفاق على سياسة خارجية موحدة. (2) الدفع بالمشاريع المتفق عليها إلى الأمام والمتمثلة في: أ / قوة عسكرية خليجية موحدة. ب / قوة أمنية مشتركة. ج / هوية وطنية واحدة. (3) الاتفاق على سياسة اقتصادية ومالية موحدة من خلال المضي في المشاريع المتعثرة حتى الآن مثل: أ / الاتحاد الجمركي الموحد. ب / مشاريع الربط الكهربائي والسكك الحديدية والجسور البحرية المعلقة. ج / إقامة الاتحاد النقدي وتوحيد العملة واستكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة. (4) الاتفاق على سياسة تعليمية وتربوية موحدة تقود إلى: أ / مزيد من الدمج الفكري لشعوب الخليج. ب / تحقيق تنمية بشرية متوازنة تطبق مبدأ الاستثمار الواسع في الإنسان. ج / تصحح المناهج الخاطئة.. وتوسع دوائر معارف الإنسان الخليجي وتبعده عن التشدد.. وتصهر قدراته وإمكاناته في بوتقة واحدة. (5) سياسات اجتماعية واقتصادية تكاملية تساعد على حل: أ / المشكلات الديموغرافية العميقة وتحقيق المساواة بين مواطني دول المجلس. ب / تنظيم وتوحيد الأجور والمزايا بما يرفع مستوى معيشة الأفراد ويضاعف نصيب الفرد من الدخل الوطني. ج / تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس. د / مشكلة التفاوت الطبقي وتباين الدخول نتيجة للفجوة الناشئة عن تآكل الطبقة الوسطى. (6) سياسات بترولية موحدة.. سواء داخل منظمة أوبك او خارجها تعزيزاً لموقف دولنا وزيادة تماسكها أمام التحديات الماثلة أمامنا في هذا الجانب. وبالرغم من أن كثيرا من هذه السياسات والتوجهات قد سبق إقراره بعد دراسات معمقة.. إلا أن البعض الآخر منها ما زال في مرحلة الدراسة والاستقصاء وتجاوز العقبات ومنها توزيع هذه المؤسسات على دول المجلس الست وفقا للاعتبارات الموضوعية المفروض توفرها. وبكل تأكيد فإن الإرادة المتوفرة الآن.. وبالذات بعد قمة الرياض الاستثنائية الأخيرة في 23/1/1436ه، وعودة المياه إلى مجاريها الطبيعية بين كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة.. وبين الشقيقة قطر.. فإن فرص نجاح قمة الدوحة تصبح كبيرة لإقرار ما لم يتم إقراره حتى الآن بصورة نهائية.. والاتفاق على عقد قمة استثنائية في الرياض قريبا للإعلان عن الاتحاد المأمول.. وفقا لما طرحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الخليجية المنعقدة بالرياض في 23/1/1433ه، والتي دعا فيها إلى قيام اتحاد خليجي بقوله «إنني أطلب منكم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله». هذه الدعوة قابلها البعض في تلك الفترة بالكثير من التشكيك في إمكانية تحقيقها لأسباب مختلفة يرد في مقدمتها بعض بوادر الاختلاف في السياسات والتوجهات والمواقف الظاهرة على السطح في تلك الفترة.. وجاء الخلاف المعلن بين العواصم الأربع ليؤكد صعوبة تحقيق هذا الطموح المشروع لشعوب المنطقة في وقت قريب. لكن الظروف والمستجدات ولا سيما في ضوء الأخطار التي تعرضت لها منطقتنا العربية على مدى السنوات الأربع الماضية أظهرت مدى الحاجة لما كان قد طالب به الملك عبدالله قبل ثلاث سنوات من الآن.. وبات على دولنا أن تتخذ قرارا تاريخيا من هذا النوع في أقرب وقت ممكن. وقد تكون قمة الدوحة المزمع عقدها بعد أيام.. هي المنعطف الهام لإقرار المشروع بصورة جماعية.. والذي يهيئ المنطقة للإعلان الرسمي عن الاتحاد قريبا في العاصمة التي انطلقت منها الدعوة إليه.. لا سيما بعد أن تغيرت الظروف الآن.. وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً لتحقيقه.. ولم يعد هناك من الموانع ما يعطل أو يؤجل إعلانه.. وإغلاق جميع ملفات الاختلاف بصورة نهائية.. لكي تتفرغ دول المنطقة للتفكير بعمق في التحديات القادمة.. وهي تحديات غير هينة.. سواء على المستوى الاقتصادي.. أو السياسي.. أو الاجتماعي. فعلى المستوى الاقتصادي.. فإن العالم مرشح لهزة اقتصادية كبيرة.. ستؤدي بالضرورة إلى ركود شديد.. وإلى زيادة معدلات التضخم والبطالة وتعطل خطط وبرامج التنمية المستدامة التي اعتمدتها دولنا.. وبالتالي فإن علينا أن نتفق الآن.. وحتى قبل قيام الاتحاد على سياسات موحدة.. وخطاب سياسي وإعلامي ممنهج وموحد ومحكم لمواجهة الإجراءات التي قد تتخذها دول أخرى للضغط علينا.. وتجاهل مصالحنا.. وتمرير سياسات وأجندات لا نريدها.. ولا تحقق مصالحنا. وعلى المستوى السياسي.. فإن اتخاذ موقف موحد في مواجهة القضايا والتحديات التالية بات ضرورة ملحة وفي مقدمتها: (1) التدخلات الإيرانية في المنطقة والتهديدات المباشرة لأمن دول الخليج والجزيرة العربية تحديداً. (2) الحالة الإرهابية متزايدة الخطورة بفعل التراخي الدولي تجاه الوضع السوري.. وضرورة التوصل إلى موقف دولي حازم تجاه نظام بشار الأسد.. حتى يعود الاستقرار إلى سوريا.. ويعود إليها الشعب السوري المشرد ويقوم فيها نظام يحترم حقوق وكرامة الشعب السوري أولا وأخيراً.. وبالتالي تطهير سوريا من المنظمات الإرهابية التي توفرت لها الأرضية الملائمة منذ أكثر من (40) عاما من الزمن في سوريا.. التي وفرت لهم كل أسباب البقاء والتدريب والرعاية وتوظيفها لتهديد أمن دول المنطقة. (3) توحيد الموقف السياسي تجاه الشقيقة مصر العربية ودعم السياسات المؤدية الى استكمال عافيتها.. وترسيخ قواعد الدولة المصرية تحقيقا للاستقرار المنشود في المنطقة بعيداً عن التشرذم والانقسام.. والعمل معاً بعد ذلك من أجل مراجعة أوضاع الجامعة العربية.. وإعادة الأمان إلى الأوطان التي افتقدته. (4) توحيد مواقف دولنا من التنظيمات والتجمعات والقوى التي تتسبب في الاختلاف بيننا.. والسعي بكل ما أوتينا إلى ترسيخ قواعد سياسات عربية موحدة تقوم على تجاوز الماضي وإعادة بناء اللحمة داخل كل دولة بعيداً عن سياسة التصنيف.. والعزل والفرز التي لا تخدم ولا تعين على تحقيق الوحدة الوطنية داخل كل دولة.. والسعي بجهد مشترك إلى دعم إجراء مصالحات واسعة بين كافة الفئات داخل كل دولة لضمان الحد المطلوب من العدالة والمساواة بين الجميع وتوسيع قاعدة المواطنة ومنع تعدد الولاءات والانتماءات الخطيرة على الوحدة الوطنية لكل دولة. أما على المستوى الاجتماعي.. فإن المواطن الخليجي يريد من قمة الدوحة (أولا) ثم من الاتحاد المزمع إقامته (ثانياً) ثم من التوحد العربي المأمول (ثالثاً) ما يرفع نصيب الفرد من الدخل الوطني.. وما يكفل العمل والمسكن والعلاج والرعاية ويقضي على ظاهرة التفاوت بين الفئات ويقلل من نسبة الفقر التي أخذت ترتفع في بلدان وهبها الله الكثير من الخيرات.. ولا تحتاج إلا إلى المزيد من التخطيط المتقن.. لإيجاد مظلة اجتماعية واقتصادية واقية من الفقر.. ومعالجة أسبابه.. وتهيئة أسباب التنمية المتوازنة في المجتمعات التي تعاني منه.. وتحتاج إلى إنجازات سريعة فيها من شأنها أن ترفع مستوى المعيشة في أرجائها وتحسن حياة الإنسان بها.. وذلك أمر مقدور عليه بإيجاد خطط مستقلة للعناية بالأرياف وبالمناطق النائية في كل دولة بضخ المزيد من الاعتمادات المالية الوفيرة في ميزانياتها لتنفيذ برامج معينة بمعدلات سنوية متصاعدة، كما تفعل المملكة وتحاول أن تصل إلى هدف منشود خلال عشر سنوات من الآن.. وإن كان علينا أن نقلص هذه المدة إلى خمس سنوات.. بالمزيد من التركيز وإعطاء الأولوية للمناطق الفقيرة بصورة أكبر. أما المشكلة الأكبر والأبرز في أكثر دول المجلس.. فإنها تتصل بتصحيح الوضع السكاني ومعالجة الاختلالات الكبيرة في هذا الجانب. وبالمناسبة فإن عدد سكان دول الخليج هو: هذه الإحصائية تشير إلى: أ / شديد الحاجة إلى سياسات سكانية جديدة وجذرية ولا سيما في الدول التي تقطنها أعداد كبيرة من الوافدين من جنسيات مختلفة.. وذلك برسم سياسات سكانية تكاملية بين دول الخليج نفسها من جهة.. وسياسات سكانية محلية من شأنها أن تعالج محدودية عدد السكان وتكون ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية وأمنية لتقليل الآثار السلبية للتوظيف لغير المواطنين في المؤسسات العسكرية والأمنية والسيادية بشكل عام. ب / مراجعة وتوحيد انظمة التجنس.. في دول المجلس.. بما يخدم فكرة المواطنة العادلة.. ويكفل توفر مقومات الوحدة الوطنية ويرسخها ويستوعب فئات البدون بعد تصحيح أوضاعها بصورة جذرية ويقلل من مخالفات تعدد الجنسية.. لأهداف ثقافية وسياسية وأمنية ضرورية. ج / إقرار سياسات جديدة لزيادة معدلات الإنجاب ومضاعفة المزايا التي تمنحها الدولة الاتحادية لكل ما من شأنه المواءمة بين عدد السكان وبين موارد كل دولة في دول الاتحاد ويسمح بتحقيق منظومة موحدة من المعاملات المشتركة بين دول الاتحاد يرتفع فيها نصيب الفرد بشكل ملحوظ وتقل فيها الأعباء عليه.. وتتم السيطرة على كل العوامل المؤثرة في المدخول السنوي.. وبما يحقق التوازن بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة ومستلزماتها. د / معالجة أوضاع أبناء المواطنة الخليجية من أجانب.. أو زوجات الخليجيين الأجنبيات بإجراءات موحدة.. تجمع بين المرونة والضوابط المطلوبة وبين ضرورات معالجة المشكلات الناشئة عن استمرار الحالة. لكن المشكلة التي لا يجب تجاهلها أو التقليل من شأنها ونحن نتحدث عن كيان خليجي جديد وموحد في المرحلة القادمة.. تتمثل في معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء وجود جماعات ضاغطة داخل أكثر دولنا.. سواء كانت هذه الأسباب محلية بحتة أو كانت بتأثير قوى وأطراف خارجية.. وسواء كانت راجعة إلى اختلاف الثقافة.. وتعدد المرجعية أو كانت راجعة إلى محاذير وتحسبات مبررة أو غير مبررة.. فإن هذا الوضع لا بد أن يعالج بصورة جذرية مستفيدين من الأحداث والتجارب والأزمات المفتعلة أو الموجودة التي تسببت في مشكلات من نوع أو آخر ببعض دولنا.. كما حدث في البحرين.. وكما يحدث في الكويت.. أو المملكة.. وذلك - في الحقيقة - يتطلب عملا واسعاً ومكثفاً هدفه تكريس مفهوم الهوية الوطنية الواحدة.. وتأمين الاتحاد الخليجي من داخله ومعالجة الأعراض التي تسببت أو تتسبب في استمرار شيء من حالة عدم الرضى عند البعض.. إما لاسباب محلية أو بتأثيرات خارجية لا يجب السماح باستمرارها.. وتلك المعالجات الضرورية.. يتصل بعضها بالثقافة.. ووحدة المرجعية وسلامة المواطنة ومنع تعددية الولاءات في أوطاننا وتوفير حلول عملية تقوم على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع وتسن أنظمة وقوانين حازمة ورادعة ومانعة للاختراقات شديدة الخطورة على النسيج الوطني لدول الاتحاد وضارة بالأوطان. وإذا كان ما يجب - أيضاً - التركيز عليه وتوفيره حتى قبل قيام الاتحاد.. فإن ذلك هو: التوصل إلى سياسة إعلامية موحدة.. أولا: في التعامل مع بعضنا البعض. ثانياً: في تعامل دول الاتحاد مع الدول العربية الأخرى. ثالثاً: في التعامل مع دول الإقليم الأخرى وفي مقدمتها إيران وتركيا وإسرائيل. رابعاً: في التعامل مع المجتمع الدولي.. من خلال الهيئات والمنظمات الدولية (مجلس الأمن/ الجمعية العمومية/ محكمة العدل الدولية/ منظمة حقوق الإنسان العالمية/ صندوق النقد الدولي/ اليونسكو) وغيرها وغيرها.. وكذلك مع الدول نفسها. خامساً: في تبني خطاب إعلامي دولي موحد يصحح الصورة الذهنية عن الخليج وكذلك عن الإسلام والعرب والمسلمين.. ويوصل صوتنا إلى كل العالم بقوة.. ويركز على التزام دولنا بمراعاة حقوق ومصالح دول وشعوب العالم في منطقتنا وحرصها على تأمينها ومضاعفة مردوداتها على الطرفين. هذه السياسة الإعلامية المطلوبة بشدة.. تمثل عصب الثبات والاستقرار للصيغة التي ستتفق عليها دول الخليج.. بل أن الحاجة لها تبدو ملحة حتى قبل قيام الاتحاد.. لتوفير الأرضية المناسبة لتفاهم وتجانس وتكامل أكبر.. تقوم على وحدة الدمج الفكري الكلوي لشعوبنا وتهيئتها لدخول مرحلة جديدة.. بعيدة عن الضغوط النفسية.. والحروب الإعلامية التي أضرت كثيرا بنا.. وبعلاقات دولنا مع الغير.. وساعدت - في بعض الأحيان - على الهمز واللمز في قدرتنا على التوحد. تلك هي بعض متطلبات وضرورة المرحلة الإعدادية السابقة لقيام الاتحاد الخليجي الذي نحلم به.. ونستشعر أهميته أكثر من أي وقت مضى.