رفض مجلس الشورى، في جلسته العادية الثالثة والسبعين يوم الثلاثاء الماضي 12/2/2014، إقرار توصية بدمج نظام التقاعد المدني والعسكري بنظام التأمينات الاجتماعية. وهذه مسألة تستحق، فعلا، التروي باتخاذ قرار فيها؛ لأهميتها البالغة وانعكاساتها المباشرة على المستفيدين من معاشات التقاعد في المؤسستين، فمبررات الدمج التي وردت في الخبر الصحفي الذي نقلته مراسلة «عكاظ» سعاد الشمري لتوصية ثلاثة أعضاء من لجنة الموارد البشرية في المجلس لهذا الدمج غير مقنعة ما لم تكن نصف الحقيقة معلنة كالعادة. فقد استند الثلاثة على مبررات هيكلية وأخرى اقتصادية للتوصية بدمج المؤسستين. ومن المبررات الهيكلية وجود ثلاثة أنظمة في مؤسستين، واثنان منهما (المدني الحكومي، والعسكري) يعانيان من بعض العيوب والنواقص في الأنظمة التي تعتمدها المؤسسة العامة للتقاعد ويمكن تلافيها بالدمج في مؤسسة التأمينات الاجتماعية. أما المبررات الاقتصادية فتعنى بالهدر المالي والبشري من وجود ثلاثة صناديق للتقاعد في مؤسستين، وهو ما يمكن تلافيه بالتجميع والاستناد على وفورات الحجم في كفاءة التشغيل. أوافق فعلا على أن هناك مزايا وتقديمات للمتقاعدين على نظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يحرم منها المتقاعدون على نظام المؤسسة العامة للتقاعد، ولكن لم لا نتعمق قليلا وننظر في الأسباب التي أرى ان أهمها أن الاستقطاعات من رواتب موظفي القطاع الخاص أعلى من القطاع العام بسبب فوارق الرواتب الكبير بين القطاعين من ناحية، وفوارق الإنفاق من ناحية أخرى، فكبار المتقاعدين من القطاع الخاص دفعوا ما عليهم دفعه هم وأرباب عملهم بالكامل قبل التقاعد، أما كبار الموظفين والضباط فقد دفعوا نصف ما عليهم من الاستقطاعات التقاعدية للمؤسسة العامة للتقاعد أما النصف الآخر، إن كان معتمدا فعلا، فبحسب ظروف وزارة المالية التي قد تدفع ما يجب على الدولة دفعه للمؤسسة أو تعتمد على قاعدة إلى حين ميسرة. وعلينا ألا ننسى أن المرجعية العليا للتأمينات الاجتماعية هي وزارة العمل وهي مرجعية اسهل وأكثر مرونة من وزارة المالية التي هي مرجعية مؤسسة التقاعد.. وهناك مسالة على قدر كبير من الأهمية والخطورة يجب الا نغفل عنها وهي الاستثمارات التي تديرها المؤسستان فالتأمينات لديها جهاز استثمارات يدير استثمارات متنوعة يمكن تفضيله على الجهاز الذي تديره مؤسسة التقاعد والذي يميل لتملك الأراضي والمغامرة غير المحسوبة في مشاريع كبرى تضعها على حافة الإفلاس.. أما مسألة الهدر المالي والبشري من وجود ثلاثة صناديق تقاعد في مؤسستين فتحتاج لدراسة، فوجود هذه الصناديق في الحقيقة نقطة قوة لا نقطة ضعف لأنها أسهمت في بناء قاعدة جيدة للتنوع والإبداع مكنت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من تطوير نظام متقدما وإن لم يكن مثاليا مقارنة بنظام المؤسسة العامة للتقاعد، لتثير اعجاب أعضاء الشورى الثلاثة وتدفعهم للتوصية بالدمج. كما أن التجارب الدولية أثبتت بأن بعض صناديق التقاعد في بعض الدول المتقدمة نجت من اثار الانهيار الاقتصادي الكبير سنة 2008 وساهمت في مساندة وإنقاذ الصناديق المتعثرة ورغم ايماني بوفورات اقتصاديات الحجم، إلا أنها يمكن ان تنجح في بلاد غير بلادنا فدمج شركات الكهرباء، على سبيل المثال، أنتج شركة واحدة مترهلة تفتقر للإبداع والابتكار وتأتمر بأمر رجل واحد يسانده وكلاء ووكلاء وكلاء ومديرون عامون يشكلون عبئا ماليا يجبر الشركة على الالتصاق بالأرض كلما حاولت النهوض. ومثال آخر (شركة سمارك) التي ضمت إلى أرامكو في وقت ما، أين هي الآن وماذا فعلت بعد الاندماج!؟ لقد أصبحنا نستورد بعض مشتقات النفط بدلا من إصلاح الشركة التي كانت مسؤولة عن تطوير مواردنا في هذا الاتجاه. وبالتالي فليس بالضرورة أن ينتج الدمج مؤسسة تأمينات موحدة كبيرة ناجحة بل قد ينتج عملاقا مكبلا بساقين من زجاج ويضطر القائمون على الكيان الجديد للتضحية بالمزايا التي تقدم للمتقاعدين حاليا تحت مظلة التأمينات الاجتماعية عملا بقاعدتنا الذهبية التي لا نحيد عنها الخير يخص والشر يعم. ولذلك، أرى أن الحل لا يكمن في الدمج بين المؤسستين والنظامين بل في التركيز على إجراء إصلاح هيكلي للمؤسسة العامة لمعاشات التقاعد يضمن تطويرا لنظامها الذي يشمل المدنيين والعسكريين، وقبولا لخطط تقاعد خاصة بالجهات المشمولة، ومشاركة شعبية فعالة لا شكلية في إدارتها والإشراف على استثماراتها، والتزاما غير قابل للتراجع من وزارة المالية بدفع ما يتوجب عليها دفعه للمؤسسة بصفتها رب العمل لمن يشملهم نظامها من المتقاعدين. أما رمي الجمل بما حمل على كاهل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية فهو اشبه ما يكون بوضع القضبان في دواليب عربة منطلقة على الطريق السريع بدلا من إصلاح عربات قديمة أو اطلاق عربات جديدة على الطريق..