من أمن العقوبة أساء الأدب أو «زاد في غيه» عبارة نسمعها كثيرا لمن يتجاوز حدوده أو يتعدى على الآخرين أو يخالف الأنظمة دون الخوف مما قد يقع به من عقاب، وذلك هو حال كثير من التجار والشركات التي أصبحت تتحكم بمقدرات الناس فتظلم وتغش وتخالف دون أن يرف لها جفن، إلى أن قيظ الله بحكمة ولاة الأمر من يكشف سوءاتها ويفضح غشها ويغلق محلاتها في إطار عمل دؤوب ومخلص كشف حقيقة التجار الجشعين وحاسب المتلاعبين، وفضح المخالفين وشهر بهم حتى صاروا عبرة لغيرهم. يتحدث الناس، هذه الأيام، بإعجاب شديد وغبطة وفخر عن وزير التجارة الذي استطاع أن ينتزع حقوق المواطنين من جشع التجار وشركاتهم، ويكيلون له عبارات الثناء والمديح والدعاء بفعل ما قامت به وزارته مؤخرا من إغلاق لعدد من فروع متاجر كبيرة ظلت طوال سنوات كجبل جليد يطفو على محيط من الغش والاستغلال والتلاعب بالأسعار والتخفيضات الوهمية التي يطلقونها لتظليل زبائنهم من خلال حملات تسويقية كاذبة. خطوة جديدة في الحزم واحترام حقوق المواطنين تحسب لمعالي وزير التجارة وفريق عمله في الوزارة أكسبتهم احترام المستهلك، وحازوا على ثقته، وعززت مكانة الوزارة كجهة حكومية رقابية ملتزمة بتنفيذ اللوائح، والأنظمة الرسمية من أجل المصلحة العامة، فما أحدثه وزير التجارة وطاقمه من موظفي الوزارة من أجل حماية المستهلك وتحريك المياه الراكدة في أسواقنا المحلية، وتغيير ثقافة المستهلك، مدعاة أن نرفع لهم العقال احتراما وفخرا. إن وزير التجارة لم يركن إلى لجان تطول الإجراءات، ولم ينتظر إلى تقارير مطولة ذات صبغة «كليشة» شبه موحدة، ولم يستمع إلى الآراء المتحفظة والتي تقدم التخوف من الأفعال وردودها على مصلحة المواطن المسكين، فلم يتخوف من سطوة التجار الوهمية، ولم يستكن أو يخش نتائج تشهيره بهم، أو لم يعقه ذلك عن فعل الصواب وخدمة من عينه ولي الأمر لخدمتهم فقدم نموذجا ينبغي الاقتداء به. إن انتهاج سياسة التشهير وكشف المتلاعبين خطوة شجاعة لم نكن نعهدها أو نسمع عنها من قبل، وهي سنة حسنة سيكون له أجرها وأجر من عمل بها، لكننا نطمح إلى المزيد من الجهود لإيقاف جشع التجار وغشهم، وأن تتبعها خطوات أخرى تقف في وجه كل تاجر جشع، وكل رجل أعمال محتال يتكسب من خداع الناس، وتمادي بعض الشركات في التدليس على المستهلكين، والتلاعب بمشاعرهم، ونهب أموالهم، ومدخراتهم بمهرجانات تخفيضات مزيفة تتجاوز كل الحدود التجارية والأخلاقية والنظامية، وتمنع العروض الوهمية والإعلانات المضللة، والتجاوزات السعرية التي تعانيها أسواقنا المحلية. نتمنى من الوزارة أن تلتفت أيضا إلى العروض الكاذبة التي تقدمها بعض المحلات التجارية وارتفاع الأسعار المبالغ فيها للمواد الغذائية، وكذلك الغش في الأجهزة والموصلات الكهربائية وكثرة البضائع الإلكترونية المقلدة التي أثقلت ميزانية المواطن، والعمل على زيادة الكشف عن أسماء التجار الجشعين، وفضح الشركات المخالفة، وتشديد الرقابة على الأسواق وحالات الغش الذي تمارسه كثير من مؤسسات المقاولات والشركات العقارية المساهمة، والتجار الذين تعودوا العبث بمقدرات الوطن والمواطنين والتلاعب بحقوقهم وأموالهم. والعمل على تغليظ العقوبات بشكل حازم ضد العابثين باقتصاد الوطن والضرب بيد من حديد على المحتالين والمخالفين وغيرهم ممن يسرحون ويمرحون و«يخربون» في ثنايا اقتصادنا وكشف عورتهم أمام الملأ. كما نرى ضرورة تكثيف الجهود في زيادة توعية المواطن بمعرفة كافة حقوقه عبر جميع الوسائل المتاحة، وكذلك توضيح الآليات التي تقدمها الوزارة لتقديم المواطن تظلمه جراء ما وقع عليه من ضرر أو غش أو خداع. إن من الإنصاف في القول أن يذكر وزير التجارة الحالي الشاب المثابر ويشكر على جهوده، فمنذ أن أصبح على رأس هذه الوزارة الخدمية المهمة أعاد الثقة لدى المستهلكين، وأصبح المواطن يحس أن صوته بات مسموعا، وأن لهم جهة حكومية تمثلهم وتقف في صفهم ضد جشع التجار واستغلالهم، كما لم يكتف بالرقابة التي تقوم بها الأجهزة التابعة لوزارته، بل وضع جميع المواطنين في منصة المشاركة حين جعلهم مراقبين للأسواق والسلع الاستهلاكية وأسعارها وتقديم الشكاوى والتبليغ عنها في الحال. إن ما تقوم به الوزارة من تنفيذ سياسة هامة لولاة أمرنا رعاهم الله تتضمن حسن رعاية وخدمة مواطني المملكة لهي محور رئيسي في اختيار القيادات التنفيذية. وأملنا كبير أيضا في أن تتجه الوزارة بقيادة وزيرها الطموح إلى إنشاء مشاريع صناعية استراتيجية توفر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتوظف الشباب السعودي، وتضع حدا للسلع المستوردة وتعمل على تحقيق مقومات الاقتصاد النشط والتطور المستدام.