يندر أن ترى أي حديقة أو متنزه كبير في الولاياتالمتحدة أو أوروبا تخلو من (الكلاب) الأليفة التي عادة ما تصاحب كبار السن، وعلى الأخص العجزة منهم، ومن الطبيعي في المتنزهات الكبيرة التي تحتوي على بحيرات وأشجار وممرات المشاة رؤية ذلك العجوز أوتلك المسنة التي تظهر بكامل زينتها وهي تصطحب كلبها في نزهة شبه يومية، يتنفسان فيها الهواء الطلق، ويتمتع فيها «الكلب» بالسير بين الأشجار والجداول. والمنظر لا يقتصر على المسنين فقط، بل تجد شبابا وشيبا يخطون إلى الشيخوخة من الجنسين، يقومون « بتمشية» كلابهم التي تتدرج أحجامها من وزن «القطة»،إلى كلاب كبيرة الحجم تشعر غير « الكلبي الهوى» بالخوف إذا ما أقبل ومعه سيده أوسيدته وهي تمسك بحبله المرن. في الولاياتالمتحدةالأمريكية لوحدها حوالى 83 مليون كلب وهو يعادل نسبة 26% من عدد السكان ناهيك عن القطط والتي يبلغ عددها حوالى 96 مليون قطة. وهما أكثر الحيوانات «دلالا» .. لكن الكلب يتميز بأنه أكثر «دلعا» لأنه يفرض على صاحبه «التمشية» اليومية وشم الهواء، وهي أفضل من بعض الزوجات الشرقيات «المسكينات» اللاتي لايرين الشارع إلا نادرا. في إحدى حالات الفضول التي تتلبسني أحيانا، وجدتني أتحدث مع عجوز أمريكية ثمانينية، أراها يوميا في أحد متنزهات جنوب كاليفورنيا وهي تضع على رأسها قبعة جميلة، وقد خرجت مع كلبها الذي يقرب حجمه من «تيس» صغير، خرجت معه «لتفسحه» وهي بكامل زينتها ومكياجها الذي يملأ تجاعيد وجهها الذي تبدو عليه آثار السنين . تقبلتني بابتسامة ظهرت فيها تركيبة أسنانها البيضاء، ودخلت معي في حوار عن «الكلب» الذي يعيش معها بعد أن رحل عنها زوجها، وتركتها ابنتها الوحيدة منذ عدة سنوات .. قالت لي « لم يبق لي إلا الكلب». كانت راضية بحياتها التي يملأها عليها ذلك الكلب الذي أصبح بمثابة الابن والجليس ومن « يرد عليها الصوت». وتشعر بأنه وفي لما تقدمه له من رعاية واهتمام. لن أشغلكم كثيرا بما قالت، لكنني استرجعت مع حوارها ما أسمعه عن حالات جحود بعض الأبناء التي بدأت تطفو على مجتمعاتنا التي تنفر من « الكلاب» دون أن يجد فيها المسنون «المجحودون» من أبنائهم بديلا يؤنسهم غير «الرباط» الذي يعيشون فيه على حسنة المحسنين، وكان من الأرحم أن يكون الأبناء الجاحدون كالكلاب التي تحفظ الود ولاتتنكر للمعروف.. فاللهم لا تحوجنا إلا الى وجهك الكريم .