فرحنا بهطول زخات من المطر، لدرجة أننا كدنا نصفق لها تصفيقا حارا، وندعو الجيران وسكان الحي، بل أهالي جدة كلهم؛ لمشاركتنا في التصفيق فرحا بالغيث، لكن العاصفة الترابية فرقتنا، والمياه غمرت شوارعنا، وتعطلت المناهل والإشارات المرورية، عدا «ساهر» الذي صمد في وجه المخالفات تحت المطر. ابتهلنا بالدعاء أن لا تسيل الأودية والشعاب إلا حوالينا ولا علينا، وأن لا تجلب لنا الأمطار سيولا منقولة وتحدث كارثة تستبق الأربعاء المفجع ونطلق عليها كارثة الأحد، ونحمد الله كثيرا أن الأمطار كانت خفيفة ولطفت الأجواء، وعطلت حركة السير وتجمعت في الميادين والأنفاق، وانتعش سوق وايتات الشفط التي انتشرت في الشوارع وانطبق عليها المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد». ولأن العاصفة إذا أقبلت يحتار المرء بين أمرين: إما الابتعاد عنها حتى تنتهي ومن ثم مواصلة الطريق، أو يطأطئ لها رأسه لتمر، وكلاهما وسيلة لتلافي الخطر، وبعد زوالها سارع البعض للتنزه على الكورنيش، والبعض الآخر ظل طوال يومين يكافح في الشوارع لإنقاذ سيارته التي لم تصمد في وجه المياه المتجمعة، والمدارس بالكاد أنقذت طلابها، عدا الطالب عبدالله الزهراني الذي لقي حتفه في بالوعة تصريف أمام أنظار الجميع، ليكون الضحية الثالثة في غضون شهر لحفر الموت في جدة. فهل نصفق باليد؟ أم نصفق لطما على الخدود لتلك الحوادث المفزعة؟ الركاب في بعض الرحلات على شركات الطيران يصفقون تحية لقائد الطائرة على هبوطه في أرض المطار بسلام كنوع من الشكر والعرفان له على إبداعه في الهبوط، ولطالما التصفيق بات سمة للترحيب في مجلس الشورى وغيرها، فلماذا لا يكون أيضا للانزعاج، ونحن في جدة لا ندري لمن نصفق، هل نصفق للحفر التي تخصصت في ابتلاع الناس، أم نصفق لحفافيش الظلام الذين يسرقون أغطية المناهل ويبيعونها جهارا نهارا في سوق السكراب، أم نصفق للمشاريع المتعثرة؟. كم أتمنى أن يقر المجلس البلدي بجدة التصفيق كنوع من التعبير في حالة اكتمال منظومة مشاريع، أو العكس في حالة وجود خلل في الأداء وعجز عن معالجته مع الأمانة والجهة المنفذة، وسنعد المجلس الذي لم نلمس أداءه بالتصفيق عاليا إذا حقق منجزا في دورته الحالية، ولنا في مجلس الشورى الذي أقر التصفيق تعبيرا عن حفاوته أسوة حسنة.