لا أعرف إن كانت مدينة وعد الشمال أكبر من أحلام الشماليين أم أنها أصغر من حاجتهم لفرص العمل. فالإنجازات الكبيرة ليست دائما بنات الأحلام الكبيرة، وقد لا تكون دائما قلق المستقبل في زوايا الحلول. فشجر الغابات لا نعرف هل جاء أولا أم جاء النهر أولا. فالبطالة في كل من منطقة الحدود الشمالية ومنطقة الجوف هي الأعلى في المملكة، وهذا في الحقيقة يعكس الخلل الكبير في مفهوم السعودة الذي يخلط المفاهيم كثيرا فاستبدل مفهوم خلق فرص العمل بمفهوم إحلال السعوديين مكان غير السعوديين، فالمفهومان مختلفان تماما. إن عمليات التصنيع في مدينة الشمال هي التي تتيح فرص العمل الحقيقية وليس نقله مادة خام خارج الحدود الشمالية. المفارقة العجيبة هو أن وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل إلى الآن معنيتان فقط بإحلال السعودي محل غير السعودي وليس هناك أي رؤية أبعد من ذلك في خلق الفرص الوظيفية. وذلك رغم كميات الفوسفات والمعادن الواعدة في حزم الجلاميد ومدينة وعد الشمال، ورغم ما يبذله القائمون على المشروع من شركة معادن والبنية التحتية المأمولة في هذا المشروع التعديني العملاق، فضلا عن المسؤولية الاجتماعية التي نتوقعها من شركة محترمة كشركة معادن، خلافا لما عاناه الناس هنا من تجارب مريرة مع الشركات الكبرى السابقة في عدم مراعاتها للحد الأدنى من المسؤولية الاجتماعية فضلا عن الأضرار البليغة التي ألحقتها الشركات الزراعية بالمورد الوحيد لأهل الجوف باستنزاف المياه لصالح مشروعات الأعلاف والتي لا يستفيد منها الوطن ولا المواطنون، إنما هي دائرة ضيقة هم أصحاب تلك الشركات على حساب مستقبل الأجيال القادمة حيث تستنزف المياه دون أي رادع قانوني أو أخلاقي. من ناحية أخرى، فإن المأمول بالتوازي هو أن تصبح مناطق المملكة قائمة على اقتصادات محلية متنوعة حسب معطيات الموارد الطبيعية والبشرية لكل منطقة، فكانت الفرصة متوفرة تماما في نموذج الحدود الشمالية للتأسيس للصناعة التعدينية والثقافة الصناعية بما في ذلك التعليم الذي يتلقاه أبناء هذه المنطقة وكذلك التخصصات الجامعية في جامعة الشمال. ومن نفس المنظور وتحقيقا لنفس الهدف، كان المأمول أن تصبح الجوف منطقة اقتصادية للصناعات الزراعية. فيكون لهذا التوجه حضور في تعليم النشء في منطقة الجوف وينعكس على التخصصات الجامعية في جامعة الجوف. إن الدولة بما تقدمه لتلك الشركات من دعم وتسهيلات، هي تقدمه لتشمل التنمية كل مواطن، فلا يجوز أن تنحرف التنمية عن هدفها وتأخذ مسارات تعوق فرص العمل وفرص الاستثمار لهذا المواطن. فشح الفرص في مناطق الحدود الشمالية وفي منطقة الجوف وفي عدد من مناطق المملكة سببه هو النظر لمناطق المملكة من منظور اقتصادي فضلا عن سلبية بعض الشركات في جانب المسؤولية الاجتماعية والتي لم تتعامل مع المواطنين هنا بمسؤولية اجتماعية وأخلاقية كمورد بشري صديق للمورد الطبيعي، يتحتم إشراكه بمعطيات بيئته وما يتم استخراجه من تحت قدميه. فضلا عن عدم تفعيل قاعدة التنويع الاقتصادي والتي تقتضي فتح نافذة ثالثة على البحر المتوسط تسمح بازدهار ونمو المدن والقرى في المناطق الشمالية والجوف وحائل، بالتوازي مع فتح فرص التدريب والتأهيل لشباب تلك المناطق وابتعاثهم في مجالات الصناعة التعدينية والإدارة الصناعية والزراعية وغيرها. لقد أحسن منتدى الأمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية صنعا وهو يعقد منتداه الثامن في منطقة الجوف تحت عنوان «مدينة وعد الشمال والمسؤولية الاجتماعية» فكانت خطوة مهمة يجب أن تليها خطوات جادة لقرع جرس المسؤولية الاجتماعية في واحد من أكبر الاقتصادات، يستغرب على أغلب شركاته غياب المسؤولية الاجتماعية خاصة البنوك، فيما يتم انحراف تلك المسؤولية الاجتماعية عن مسارها في شركات أخرى لتأخذ مفاهيم مغلوطة. ويبقى الحلم ويكبر مع مدينة وعد الشمال لترسم البدايات على أطراف الحدود وتفتح نافذة الضوء برمش عينيها كي ترى ما وراء النفود... نسمع صوت خلخالها وهي تصعد سلما شمالا جمالا.. ليدفأ الصقيع ويزهر الربيع.