أيها السادة: شكرا لكم على هذا الوفاء النبيل تعلمون جميعا بأن جدنا الكبير «الشنفرى» وأضرابَه قد قالوا الشعر في زمنهم، تعبيرا عن حالةٍ وجودية خالصة، كانوا يقفون فيها وحيدين أمام الكون والجماعة والثقافة السائدة، فكان الشعر أداتهم للتعبير الدلالي أولا والجمالي ثانيا، عن الرؤية والفعل والموقف، الذي لم يكن يحكمه إلا اختيار الذات الحرة لطريق بحثها عن تحقيق مكانتها اللائقة بها في على خارطة الحياة. ولهذا ليس للشاعر «اليوم» إلا أن يكون «شنفرة» عصره، انهماما بتطوير جماليات قصيدته، وتجلية لموقفه وموقعه في هذا الوجود، ولكن دونما حاجة إلى قتل مائة من بني سلامان، الذين اكتمل وعد المائة منهم حين وطأ أحدهم جزءا حادا من جمجمة الشاعر ذاته!! أيها الأصدقاء إن نهر الحياة الدائم الجريان الذي يقودنا، بإرادته وبمشاركتنا أيضا، إلى أعالي الجبال، وإلى أشباه الجنان الأرضية الموعودة، لا يسمح بحكم فاعلية السيرورة أن يكرر أحدنا عبور ذلك النهر مرتين، ولذا فإنني أعتقد جازما بأن «الشنفرى» لو عاش في زمننا المعاصر، وفي أيامنا هذه التي تعد ببروق حضارية، تعزز مكانة الإنسان، وكرامته وحقوقه، وحريته في الإبداع والقول، لمضى ذلك العظيم الشنفرى بقوة فارس لا يغلب، في منافستنا على منصات الإنشاد للحب، ولفتنة الحياة، وآفاق المستقبل الأجمل. أيها الحاضرون الأفاضل قلت لأخي الشاعر حسن الزهراني قبل ليلتين، حينما أصر على تكليفي بإلقاء كلمة المشاركين: «إنك قد ابتليتني يا حسن بما لا أُحسن القول فيه، ولكنني أعرف (أن المؤمن مبتلى، دائما). أما الآن وقد غدوت أمامكم فإنني سأقول له إن الشاعر «مبتلى» مرتين، الأولى من قومه الإنس، وأما الثانية فتأتي من شياطين الشعر! لقد تغلبت في طريقي الطويل إليكم، على وساوس «ربعي» من الإنس، أما الذين لا أستغني عن حضورهم لكتابة الشعر فقد أصروا علي بأن أطرح اقتراحا ثقافياً على الأستاذ «حسن» وزملائه في نادي الباحة الأدبي! رفضت طلبهم، ولكنهم كتبوا لي «نثرا» هذا المقترح الذي ترجمته من لغة شياطين الشعر إلى الفصحى كالتالي: حيث إنكم قد أسعدتمونا وإخواننا في مختلف الدول العربية بدعوة شعرائهم ونقادهم إلى هذا الملتقي، فإننا، ومن منطلق معرفتنا بأنه لا أحد يزايد عليكم في محبة الوطن، فإننا نأمل أن يتوج حفل تكريم الشخصيات الثقافية بتكريم شخصية على مستوى الوطن، وشخصية ثانية على مستوى المنطقة، ليلتقي في هذا المهرجان (الجدل الخلاق) للخاص والعام، ولحضور التنوع في كيان الوحدة الوطنية الجامعة. وكما تعلمون، فإنه لا حيلة لي في مقاومة أصدقاء الجنون الشعري، فإنني أبسط هذا المقترح بين يدي أعزائي في النادي، وعلى مشهد من حضور أمير المنطقة، ومنكم أيها الحاضرون الأفاضل. أيها الأصدقاء شكرا لكم على هذا الاحتفاء البهي، ونأمل أن نعمل كشعراء بمصداقية إبداعية متألقة، للوفاء بالمعنى العميق لدلالته الثقافية النبيلة..