رغم أن المختصين الاجتماعيين والنفسيين ركزوا جل وقتهم على أهمية إنقاذ فلذات الأكباد «صغار السن» من رفقاء السوء في المدن، إلا أن ما لمسته على الحدود لأطفال وقعوا فريسة سهلة وقبض عليهم في عمليات تهريب مخدرات وأسلحة يرسم لوحة ضبابية لأطفال يعيشون بلا هدف، وبلا هوية، وبلا مستقبل واضح ويتحولون إلى لقمة سائغة في أيدي عصابات التهريب التي تقتل براءتهم من أجل تحقيق مصالحها. كنت اعتقد أن عصابات الاتجار بالبشر وحدها المسؤولة عن قتل وتضليل هؤلاء الأطفال لكن ما شاهدته وما سمعته من أطفال سقطوا في فخ الضياع، يعد جرس انذار يحتاج الى وقفة كافة الجهات التوعوية والتربوية للتصدي لهذا التضليل الذي يدفع ثمنه اطفال صغار. سألت احد الأطفال المقبوض عليهم في قضية تهريب مخدرات لماذا أنت هنا، ومن أوقعك في هذا الفخ؟ صمت وبكى وقال أريد العودة إلى بيتنا، وأمام تكرار سؤالي قال: رأيت ابن عمي يسير في هذا الدرب فسرت على هداه، إذن ابن العم هو المسؤول. مآس وقصص لأطفال يعيشون في قرى حدودية بين المملكة واليمن، تدمع لها الأعين عندما تسمع أن طفلا لم يبلغ الحلم بعد، بدلا من الاستمتاع بقضاء وقته بين أقرانه في اللعب واللهو ذهب بقدميه إلى المخدرات، لا بل ذهب بروحه إلى أحضان عصابات التهريب التي تلقفته دون أية رحمة واستغلته في محاولة تضليل رجال الأمن والإفلات من المراقبة الأمنية بتهريب بضاعتهم وسمومهم لكن رجال حرس الحدود البواسل بالمرصاد لكل صغير وكبير يحاول النيل من أمن الوطن. (عبدالرحمن. ع 13عاما)، (عبدالله. م 12 عاما)، طفلان بدلا من جلوسهما على مقاعد الدراسة أصبحا في قبضة رجال حرس الحدود، بعد أن قبض عليهما وبحوزتهما أكثر من كجم من مخدر القات، عبدالله لأول مرة يقبض عليه، فيما عبدالرحمن هذه المرة الثانية التي يجد نفسه بين أيدي حرس الحدود، والتفاصيل على لسان الطفل عبدالرحمن تشير إلى أنه يدرس في المرحلة المتوسطة وقد اعتاد بين الحين والآخر على تخزين نبات القات المخدر، وأن قصة وقوعه في هذا الطريق، برفقة عبدالله بدأت عندما استعار سيارة ابن خاله للتجول بها وفيما كان منتشيا بقيادتها وعلى حد قوله لمح كيسا ملقى على قارعة الطريق نزل من سيارته، امسك بالكيس وجد بداخله كمية من نبات القات المخدر، التفت يمينا ويسارا لكنه لم ير أحدا أو يسمع صوتا يقول هذا الكيس لي، حمل الكيس ووضعه في السيارة وانطلق مسرعا لكسب لحظات يجلس فيها ويخزن القات وما تبقى من الكيس سيوزعه على بعض أصدقائه، لكنه وجد نفسه بين أيدي رجال حرس الحدود الذين اقتادوه مع رفيقه عبدالله الذي أطلق دموعه وتوسلاته بأن يخلوا سبيله وهو يقول لهم إنه لا علاقة له بكيس مخدر القات وإن الصدفة وحدها هي التي جمعته مع عبدالرحمن الذي طلب منه أن يصعد السيارة لتوصيله إلى منزله القريب من بيتهم. تمر لحظات صمت وإذا بعبدالله يقول أريد أهلي أنا لا اعرف شيئا اسمه تهريب ولم يلق القبض علي من قبل، عكس عبدالرحمن الذي سبق أن قبض عليه في قضية مماثلة لتهريب القات، عندها ارتفع صوت عبدالرحمن قائلا: لكنهم اخلوا سبيلي وتبت وأصبحت فقط أتعاطى القات بعيدا عن تهريبه. مقهى لقتل البراءة أربعة أطفال من الجنسية اليمنية كانوا يستعدون لتسجيل بصماتهم جمعتهم الصداقة والمعرفة وجلوسهم الدائم في مقهى يجلس فيه بعض المهربين الذين استغلوا براءتهم فزجوا بهم في جحيم الخطر، ابراهيم أحمد (13 عاما) قال: اسكن في إحدى قرى حرض وذات عصر كنت اجلس في المقهى وإذا بشاب يطلب مني الاقتراب منه وتعرف على اسمي وأعطاني 300 ريال يمني وهو يقول تريد مثلها قلت نعم قال: تريدها بالريال السعودي، طرت من الفرح لأنها ستعني مبلغا كبيرا وقلت نعم، عندها عرض علي أن احمل كمية من القات وألقي بها خارج السور الشائك وطلب مني أن أكون مستعدا لهذه المهمة قبل صلاة الفجر، وقبل انطلاق الأذان خرجت من البيت متخفيا لألحق بالرجل في المقهى والذي استقبلني بكأس حليب دافئ وساندويتش، لحظات بدأ بعض الصغار ممن هم في عمري يدخلون المقهى ويستقبلهم ذلك الرجل وبتلك الطريقة التي استقبلني بها، وبعد دقائق من تجمعنا أشار إلينا بأن نلحق به إلى إحدى السيارات الواقفة ومن صندوقها أعطى لكل واحد منا 10 لفات من نبات مخدر القات كانت بداخل كيس من الخيش، وطلب منا أن نلتزم الصمت وألا نجلب أية فوضى وأن نسير بصمت قاتل حتى لا نلفت الأنظار إلينا من رجال حرس الحدود السعودي، وان نسرع في الوصول إلى قرية حدودية، وهناك سنجد من يستقبلنا نسلمه ما نحمل ونعود من حيث أتينا وبنفس الطريقة وبدلا من أن نظفر بالمال الموعود وقعنا في قبضة رجال الأمن. وحكاية عبدالله حسين (14 عاما)، لا تختلف كثيرا عن رفيقه ابراهيم إلا في بعض التفاصيل التي سردها: والدي رجل تقدم به العمر وأخي الكبير متزوج وظروفه المادية صعبة وأنا أريد أن اقتني كبقية الصغار بعض الألعاب والملابس وأوفر لأسرتي القليل من المال وأمام تلك الظروف لم أجد أمامي سوى نقل القات المخدر بين الحين والآخر خاصة أن في كل نقلة احصل على 200 ريال سعودي بما يعادل 11 ألف ريال يمني فقد سبق أن نجحت في ثلاث عمليات تهريب، لكن هذه المرة فشلت ربما لأن عددنا كان واضحا للعيان فقد كنا قرابة 8 أطفال، اثنان فرا هاربين والبقية قبض عليهم. ويصف مهدي محمد (14 عاما)، أنه ضحية الجهل وعدم التعليم، فالظروف التي نشأ وترعرع فيها كانت سببا رئيسيا في أن يجد نفسه وحسب وصفه تتلاطمه الظروف تارة يعمل عتالا وتارة عاملا في مطعم وأخرى صبيا لكل من يرغب في الاستعانة به، وهذه المرة الأولى التي يعمل فيها ناقلا للقات المخدر بعد أن همس في أذنه احد أبناء جيرانهم أن العمل في نقل القات سهل وربحه كثير وأن صغر سنهم لن يضعهم تحت خانة السجن، ولن يعذبوا، «وحتى يغريني أكثر أشار إلى دباب (دراجة نارية) وقال اشتريتها من نقل القات، عندها سال لعابي وقررت أن أخوض التجربة واشترطت عليه ألا يخبر أحدا من أهلي، واصطحبني إلى رجل كان يجلس في المقهى وعرفني عليه وأعطاني القليل من نبات القات «الفخم» كنوع من التطميع النفسي ودس في يدي 500 ريال يمني وهو يقول غدا صباحا عندما تنقل القات سأعطيك 200 ريال سعودي، ليلتها لم أتذوق للنوم طعما ذهني شارد وأفكر وقطع تفكيري ابن جارنا برنين الجوال وهو يقول لا تتأخر ينتظرونك في المقهى ودون أن يشعر بي احد في المنزل خرجت، وكما ترى بدلا من توصيل القات والعودة إلى منازلنا قبض رجال حرس الحدود السعودي علينا». أما أحمد إسماعيل (15 عاما)، فقد قال: رفقاء السوء وقبلهم أخي هم السبب، نشأت يتيما وبدلا من أن التحق بالمدارس وجدت نفسي في الشارع، أخي بعيد كل البعد عنا معظم وقته خارج المنزل ولا يدخله إلا عند النوم فقط، وكلما طلبت منه ريالا واحدا قال اشتغل كالبقية وكنت بين الحين والآخر أدبر نفسي بالعمل هنا وهناك، وقبل أيام طلبت من عبدالله أن يقرضني بعض المال لكنه قال سأعطيك ما تريد من مال ولن ترده على أن تأتي معي إلى المقهى رافقته، وهناك التقيت بأحدهم الذي اخبرني بكل شيء وطلب مني الانضمام إلى البقية وبدون تردد وافقت وعند عودتي إلى المنزل برفقة عبدالله عرفت أن له نصيبا من المال يحصل عليه كلما احضر لذلك الرجل ناقلا لنبات القات المخدر وليتني لم استمع إليه ولم اتبع شهوة نفسي خلف المال لكن ما يريحني انه لن يزج بي في السجن وكل الإجراءات وحسبما عرفت سيتم تبصيمي وإعادتي إلى بلدي وهذه هي غايتي. وقفة لمعالجة المشكلة ولأن حالات القبض على المهربين في الشريط الحدودي هي من اختصاص حرس الحدود، طرحنا الموضوع على طاولة العميد عبدالمحسن السعدون قائد قطاع الطوال بحرس الحدود في منطقة جازان، الذي قال: عدد الاطفال غير السعوديين الذين يستغلون في عمليات التهريب يتفاوت بين الحين والآخر لكنه يحتاج الى وقفة جادة لمعالجته خاصة أن الأطفال غير السعوديين يكتفى حتى الآن بتبصيمهم والتحقيق معهم واعادتهم من حيث أتوا، فيما يتم ايداع الأطفال السعوديين إلى دور الاحداث ويحاكمون، موضحا أن المقصود بالاطفال هم من تقل اعمارهم عن 15 عاما، مشيرا إلى أن قطاع الطوال يستعد حاليا لرفع توصية بعد دراسة اعدها عن اسباب تكرار عودة الطفل نفسه رغم القبض عليه اكثر من مرة في عملية تهريب وتتمثل في اهمية بناء دور احداث ومحاكمة الأطفال مساواة بالطفل السعودي، مؤكدا أن البواسل يتابعون ويراقبون كل من يحاول الاقتراب من الشريط الشائك أو التسلل إلى داخل حدودنا سواء كان كبيرا أوصغيرا. استغلال الأطفال في التهريب استغلال الاطفال في عمليات التهريب، في وقت تفرض الانظمة والقوانين المطبقة في حق كل طفل يقبض عليه الاكتفاء فقط بتبصيمه واعادته من حيث أتى، جعلنا نلقي بظلال هذه القضية أمام الدكتور عمر حافظ مدير فرع هيئة حقوق الإنسان، الذي أكد على أهمية دراسة الموضوع وايجاد انظمة وقوانين تقلل من خطورة لجوء العصابات التي تستغل براءة الاطفال وتزج بهم في جحيم التهريب، مضيفا ان استغلال عصابات التهريب للأطفال أمر خطير بدأنا نلمسه في الآونة الأخيرة على المستوى الدولي وله خطورته ويحتاج إلى معالجة جادة من كافة الدول بما يضمن إيقاف استغلال براءة الأطفال نتيجة عدم تجريم الأطفال وأنا هنا لا ادعو إلى تجريمهم لأنهم في الأساس أبرياء الظروف وحدها ساقتهم إلى أقدارهم. لكن ما دور علماء الاجتماع والنفس في هذه القضية التي يذهب ضحيتها اطفال لم يبلغوا الحلم فيما ينعم الأشرار بالحرية. الدكتور علي الحناكي مدير عام المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية قال: استغلال الأطفال في عمليات التهريب أو غيره أمر ترفضه كافة الشرائع والقوانين وجميعها أوصت بأهمية تعليم الطفل وتنشئته النشأة السليمة حتى يفيد مجتمعه ويفيد نفسه عندما يكبر وللأسف تلك البراءة في بعض الأحيان وتحت أي ظرف تستغل من بعض ضعاف النفوس وهنا يأتي دور المجتمع المدني في تثقيف أولياء الأمور وتهيئة المناشط الاجتماعية الجاذبة لكافة أفراد الأسرة ودور المدرسة والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من المجتمع فدورها كبير وهام في صقل شخصية الطفل وغرز القيم الوطنية في نفسه. وبعد هذا الكلام كان لا بد من طرح الموضوع على وزارة الشؤون الاجتماعية لمعرفة رأيها في استغلال الاطفال في عمليات التهريب وكيفية التعامل مع الاحداث المقبوض عليهم حيث قال خالد الثبيتي مدير عام العلاقات العامة والاعلام بالوزارة والمتحدث الرسمي، إن جميع الاطفال الذين يقبض عليهم ويودعون في دور الاحداث يعاد تأهيلهم من خلال برامج خاصة تهدف إلى الاستفادة من هذا النشء بما يحقق عدم انزلاقه في المحيط الذي قد يؤثر على انحرافه ويجعله عرضة للعديد من السلوكيات الهادمة، مشيرا في الوقت نفسه رفض استغلال الاطفال في عمليات التهريب او التسول او العمل وان من حق الطفل أن ينعم بطفولته.