تبدي الكاتبة في عكاظ الدكتورة أحلام علاقي، امتعاضها من مسلسلات التلفزيون المملوءة بأحداث الحزن والكآبة، وتستغرب لم يصر المنتجون على تقديم مثل هذا النوع الكئيب من المسلسلات، مع أن الناس في هذا العصر باتوا متخمين بالنكد من كل جانب، وهم في حاجة أكثر إلى برامج تبعث على التفاؤل والابتهاج لا برامج تستدعي البكاء والحزن. رغم أني أتفق مع الكاتبة في النفور من متابعة البرامج الكئيبة، إلا أني شخصيا لا أستغرب من إصرار المنتجين على إنتاج مثل هذه المسلسلات الدامعة، فظني أنهم وجدوها تدر مالا كثيرا إلى جيوبهم، فما يقوله الواقع هو أن المتابعين لتلك المسلسلات كثر، وأنها تلقى رواجا كبيرا بينهم. تفسيري لهذا هو أن هذه المسلسلات، تسد لدى متابعيها من أبناء المجتمع العربي احتياجات عاطفية تكتنزها نفوسهم الموجعة، ويجدون في أحداثها المملوءة بالبؤس والحزن مشابهة لما هم فيه، فتمدهم بالمواساة والشعور بالمشاركة في الآلام، مما يخفف عليهم معايشة القسوة في حياتهم. في مجتمعاتنا العربية توجد نسبة عالية من الذين يشعرون بالظلم والامتهان وضياع الحقوق، ويعانون من تسلط روح الضعف والاستسلام وسط ثقافة تعلي من شأن الصمت، وتشجع تناول جرعات عالية من (الصبر) لتسكين الآلام وإطفاء ما قد يشتعل في الأعماق من بوادر الرفض والاحتجاج، فيجيء هذا النوع من المسلسلات لينفس افتراضيا عما هو مطمور في طيات النفس، يجد الناس راحة في مشاهدة ما تعكسه شاشة التلفزيون من أشكال المصائب والآلام التي يتعرض لها الآخرون، وتبلغ متعتهم ذروتها حين تطالعهم نهاية المسلسلات بما حل بالظالمين من أذى أو ما تحقق للمظلومين من (نصر)، فيشعرون بالنشوة أن النصر حليف الصبر الذي يمارسونه، وأن الظالم لابد أن ينال جزاءه بفضل الأيام!! شعوبنا العربية هي فعلا شعوب يغلب عليها الاكتئاب، لأنها شعوب تتعرض للاضطهاد والظلم والحرمان من حقوق أساسية للإنسان كي يتنفس السعادة مثل توفير الأمن والحرية وحفظ الكرامة وتحقيق مستوى عيش كريم ورعاية صحية جيدة، وهي كلها تكاد تكون من المتطلبات النادر توفرها في وسط الظروف الحالية التي تعيشها كثير من أجزاء عالمنا العربي. فلم الاستغراب إن راجت البرامج الكئيبة التي تخاطب واقعا كئيبا مثلها، فغالبا البرامج الناجحة هي التي تخاطب الواقع، وتعكس صور الحياة الفعلية التي يعيشها الناس، وهذا النوع من البرامج يداعب احتياجات المتلقين النفسية والعاطفية فيحبها الناس ويقبلون عليها، ولعل هذه البرامج الكئيبة نجحت في تحقيق ذلك.