هل أصبح التفرغ للكتابة والإنتاج الإبداعي ضرورة ملحة، أم هي حالة ترف ثقافي يهجس بها المبدع والكاتب بين فترة وأخرى، أم أن الكاتب فعلا بحاجة إلى مساحة من الوقت والدخل المادي كي ينتج ويكتب ويتفاعل مع الحياة، وهل حالة الوجع والانشغال مهمة له من جهة أخرى كي ينتج نصا إبداعيا تساؤلات كثيرة تطل من اتجاهات متعددة.. لكن التفرغ للكتابة بوجه عام حلم المبدعين والأدباء والكتاب على حد سواء. وهو الذي يعمل به في دول عديدة الكتابة بمفهومها الأدبي والإبداعي، فثمة دول تقدم منحا للكتاب والأدباء سنويا وتطالبهم بمستهدف للإنتاج يتم الاطلاع عليه نهاية العام.. ويظل الحديث عن التفرغ للكتابة حديثا ذا شجون متباينة بين المثقفين، لكنه يحتاج إلى رؤية جديدة كي يكون فاعلا ويقبل التنفيذ على أرض الواقع. سوق قراءة «عكاظ» طرحت السؤال على عدد من المبدعين والمشتغلين في المشهد الثقافي. في البدء تحدث ل«عكاظ» يقول القاص عبدالجليل حافظ إن تفريغ المثقف والمبدع في المجتمعات العربية على غرار ما يحدث لكثير من مبدعي أوروبا هل هو مجدٍ اقتصاديا واجتماعيا أم لا؟. ويضيف حافظ: هذا هو السؤال الذي أطرحه جوابا على السؤال، في ألمانيا قامت بلدية كونيغسبرغ بتعديل شارع كامل وزراعته بالأشجار وتحويل عربات الفحم لشارع آخر في مطلع القرن التاسع عشر، وذلك لأن منزل الفيلسوف الألماني الأبرز كانت فيه، ذلك لكي يعيش فيلسوفهم الأبرز بهدوء ويفكر بهدوء، لكن كانت قدم التماسا للبلدية بأنه عاشق لصوت العربات وضجة عمال المناجم، لهذا أعادت البلدية الشارع لعهده القديم، فعلت ألمانيا ذلك؛ لأن كتابات فيلسوفهم مقروءة وتؤثر على عقول مواطنيهم وتحدث حراكا اجتماعيا كبيرا، ذلك لأن الأمة الألمانية تقرأ. وفي قصة أخرى حديثة عهد في نهاية القرن العشرين، قامت مؤلفة شابة فقيرة بالتقدم لأكثر من دار نشر لطباعة روايتها، لكن دور النشر ترفض بحجة أن الرواية ستفشل في سوق القراء حتى تجرأ أحد ملاك الدور، وقال لها: سأطبع روايتك لكني أخشى الخسارة؛ لذلك لن أطبع إلا أربعين ألف نسخة فقط، ونجحت الرواية وطبعت الطبعة الثانية بمقدار عشرة ملايين نسخة، وهذه الرواية كانت الجزء الأول لسلسلة من الروايات هي سلسلة هاريبوتر للروائية ج. رولينج. التي تخطت ثروتها الآن مليار جنيه استرليني. معقبا: «من هنا أقول هل يوجد في عالمنا العربي سوق قراءة يجعل المبدع يستطيع أن يعيش في منزله عيشة رغدة من خلال ريع بيع كتبه وإنتاجه الإبداعي. حينما نحقق هذه المعادلة من حقنا بعدها أن نطالب بتفريغ المبدع والكاتب كما يحدث في أوروبا وأمريكا، بل سيكون هذا الأمر تلقائيا بدون أي مطالبات. تفرغ كامل أما الروائي والقاص ماجد سليمان فيقول: من الصعب أن يكون هناك تفرغ دون أن تؤثر عليه عواصف الحياة وتقلبات ظروفها، عن نفسي لا أظن أن هناك تفرغا كاملا، هناك رعاية ومنهجية يضعها المبدع لمشروعه الإبداعي ويصرف عنه كل ما يفسد صفو الكتابة ويقلق ساعة القراءة، وبالتأكيد كل مبدع عليه أن يطالب نفسه بالاستمرار ورسم خطط التطور الإبداعي في تجربته، آخذا على نفسه قبول كل التحديات. المبدع لدينا بشكل عام هو عدو نفسه لأنه يأسر نفسه لآراء النقد ويحجر على أعماله في مستودعات المؤسسات الثقافية، بدلا من أن يعطيها لطائر الناشر العربي، كي ينشرها على هضاب الأوطان. أرى هذا من خلال تجربتي، التحدي مطلب لا خيار دونه، المبدع العربي قدره أن يكون محاربا على كل الجبهات: المجتمع/ المؤسسة/ الحياة الأسرية/ العمل الوظيفي.. وغيرها. آليات واضحة أما مدير عام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عبدالعزيز السماعيل، فيقول: سبق أن تحدثت حول هذا الموضوع (تفرغ المثقف والمبدع للإبداع)، وهي حاجة ملحة وداعمة للإبداع بكل تأكيد، ولكنها تحتاج إلى برامج وآليات واضحة، حيث يمكن الاستفادة من البرامج المماثلة في الدول الأخرى التي لديها خبرة، كما أعتقد بأن التفرغ سوف يساهم كثيرا في تنشيط الحركة الفنية والأدبية بشكل منظم وممنهج، إضافة إلى الأهم وهو الاستفادة من الأسماء اللامعة لدينا والمبادرة لإنتاج ثقافة مميزة تخدم المجتمع والدولة، هنا يجب أن تكون وزارات الدولة جميعها ووزارة الخدمة المدنية والعمل بشكل خاص داعمين للتفرغ بوضع الأنظمة والآليات التي تسمح بذلك وتعزز دور المثقف في المجتمع، ولا يكون التفرغ على حساب وظيفته ودخله المادي منها. لا بد من نظام مدير عام النشاط الثقافي بوزارة الثقافة والإعلام سعود بن محمد قال: تفرغ المبدعين للإبداع والكتابة موضوع يستحق أن يوضع له نظام، ويمكن الأخذ بالتجارب السابقة في بعض الدول الفاعلة في الحراك الثقافي، وهو موضوع مهم جدا وسيحقق الفائدة المرجوة للمبدع وللمشهد الثقافي في بلادنا.