لم يكن اليتم، ولا قلة الإمكانات، فضلا عن كونه عائلا لأسرة قوامها 16 فردا، عقبة أمام البطل يوسف مسرحي، في مواصلة إنجازاته وحصد الذهب، وتشريف بلاده في المحافل الدولية، وكما يقال الإبداع يولد من رحم الألم والمعاناة، فبدايته بممارسة رياضته المحببة كانت بمحض الصدفة بدأها بالطرقات مرورا بالملاعب الترابية، فلم ييأس ولم يستسلم، كافح واجتهد ضحى بمستقبله الدراسي من أجل الوصول إلى هدفه المنشود، يقضى شهورا وأعيادا في معسكراته، بعيدا عن أهله وأحبابه، حلمه تحقق أخيرا بارتداء شعار الوطن، إنجازاته خير برهان على تميزه، براعته تكمن بخطف الذهب، ورفع راية المملكة في كل المحافل الرياضية والشبابية، يحطم الأرقام، عداء مثابر همام، يقول «لن أتوقف عن تشريف وطني، حتى تعجز قدماي عن الركض». «عكاظ» حاورته ورافقته إلى منزله وأماكن بداياته وما وصل إليه. معكم قصة العداء السعودي يوسف مسرحي عبر الحوار التالي من داخل قريته الغصينية في محافظة أحد المسارحة. • ما هي قصتك مع ألعاب القوى؟ - بدايتي كانت بمحض الصدفة، في جلسة شباب وما دفعني لممارسة هذه الرياضة هو عدد من شباب الحارة، الذي كانوا يمارسون هذه اللعبة أمامي، مما زرع في داخلي التحفيز لتجربة هذه الرياضة، وكانت أول ممارسة لي هي الجري في الطرقات بأدوات بدائية، وبعدها بأسبوعين شاهدني مدرب نادي حطين لألعاب القوى علي قاسم فقيهي، وكانت أول بداية لي عام 1421ه. • لكل بداية صعوبات وعقبات ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك في بداياتك؟ - الصعوبات والعقبات كثيرة جدا، ولكن كانت بالنسبة لي حافزا كبيرا، حيث كان أول تدريب لي في الطرقات حافي القدمين، بعدها التحقت بالتمارين في الملاعب الترابية، مع فريق كرة قدم من حارتي يسمى سامبدوريا، في أحد المسارحة، لعدم وجود مضمار خاص بألعاب القوى في ملعب حطين، بالإضافة إلى تضحيتي بدراستي من أجل خوض التمارين الصباحية والمسائية، رغم معارضة عائلتي، حيث أخذت المرحلة المتوسطة بعدها اتجهت للتركيز على رياضتي المحببة ألعاب القوى، ثم جاءتني وظيفة لأخدم وطني في أحد القطاعات العسكرية، مما أشعر أسرتي ووالدي رحمة الله بالسعادة والاطمئنان على مستقبلي. • من هو مكتشف العداء يوسف مسرحي؟ - حقيقة شهادتي مجروحة في المدرب علي قاسم فقيهي، الذي اكتشفني واحتضن موهبتي حتى بعد إنهاء عقده من نادي حطين، كان يقف بجانبي ويحفزني، ولم يقتصر جهده على ذلك بل كان يقوم بتمريني بعد تمرين فريق كرة القدم، في ملعب سامبدوريا، كذلك لا أنسى أن أشير إلى أن من اكتشفني لخوض غمار سباقات 400م هو الأمير نواف بن محمد. • وكيف كانت طريقة التحاقك بالمنتخب؟ - لقد كان هاجسي وحلمي أن أرتدي قميص منتخب بلادي، وأحوز هذا الشرف العظيم حيث كان نهج إدارة نادي حطين إهداء أطقم المنتخب السعودي لأول ثمانية فائزين في سباقات الجري بالنادي، بعدها بفترة بسيطة فوجئت باستدعائي من قبل مدرب المنتخب السعودي لألعاب القوى، الكابتن السوداني خليفة عمر وهو بالمناسبة بطل العالم في هذه اللعبة، وكان خبر الاستدعاء أجمل خبر سمعته في حياتي، وانضممت للمنتخب فعلا وبدأت تدريباتي على العدو على مسافة 800م و3000م موانع، وكنت منتظما في تماريني الصباحية والمسائية لما لقيته من اهتمام بالغ من قبل أسرة ألعاب القوى بالمنتخب، بفضل توفر الإمكانات والدعم. طعم الأولى • وبالطبع تذكر أول مشاركة خارجية لك مع المنتخب؟ - نعم كانت بداية أول مشاركة لي عام 2007 في الصين، بمشاركتي في سباق ألعاب 800م، بعدها فوجئنا بإصابة أحد زملائي اللاعبين المشاركين في سباق 4×400م تتابع، وحليت مكانه قدمت خلالها مستوى مميزا وقمت بالدور المطلوب مني في نفس الخانة، وفي طريق العودة على متن الطائرة جاءني الأمير نواف بن محمد رئيس البعثة، وقال لي أرى أنك لا تصلح لاعبا لمسافة 800م، و1500م، سوف أغيرك لخوض سباقات 400م وسوف تتجه حالا لمعسكر السرعات للمنتخب المقام في دبي، كان ذلك قبل بطولة الألعاب العربية التي أقيمت في مصر عام 2007 ومن هنا بدأ مشواري مع سباقات مسافة 400م. • ألم تكن المعسكرات الطويلة هاجسا يؤرقك أنت وعائلتك؟ - في بداية الأمر كانت مشكلة بالنسبة لعائلتي، خاصة أنني العائل الوحيد لهم، ورغم اشتياقي لهم إلا أن كل شيء يهون من أجل خدمة الوطن، ورفع اسمه عاليا في المحافل العالمية، وكانت أسرتي تفاخر بي وتشجعني لأكون سفيرا للوطن في تلك المحافل، وعند كل مشاركة في السباقات يتبادر إلى ذهني تضحيتي بالغالي والنفيس، وأن هناك وطنا ينتظر إنجازا جديدا، مما يدفعني لمضاعفة جهدي والعمل على نفسي، حتى أخطف إحدى الميداليات. • بالتأكيد تتذكر أول ميدالية حصدتها وكيف كان شعورك بعدها أنت وعائلتك؟ - أول ميدالية حصدتها كانت الميدالية الذهبية، في سباق التتابع عام 2007 في بطولة الصالات المغلقة في الصين، مع فريق التتابع، كانت حينها فرحة الوالد وأصحابي لا توصف بعدها بدأ حلمي يكبر بتحطيم الأرقام القياسية، ومنافسة الأبطال العالميين في هذه اللعبة، ولا يوجد فرق بين اللاعبين الأجنبي والسعودي إذا توفرت الإمكانات والدعم لهذه اللعبة. • كيف يقضي العداء يوسف مسرحي العيد ورمضان في ظل انشغاله بالمعسكرات والمشاركات الخارجية مع المنتخب؟ - هذه هي السنة الخامسة التي أقضي فيها فترة رمضان والعيد بعيدا عن أهلي وأصحابي، في الغالب أقضي شهر رمضان خارج المملكة لانشغالي بالمعسكرات والمشاركات الخارجية، وأصدقك القول إنه لايكتمل ولا تكون له نكهة أو طعم إلا بجانب أسرتي، كذلك العيد حينما تكون بعيدا عن أمك وإخوانك يثير في داخلك مشاعر الفقد والحنين لهم، ولكن تهون كل تلك التضحيات من أجل هدف أسمى، وهو رفعة اسم الوطن ورايته الخفاقة في تلك المحافل العالمية. إنجازات عديدة • أبرز الإنجازات الخارجية التي حققها يوسف مسرحي؟ - أبرز الإنجازات ذهبية البطولة العربية في قطر عام 2011 في سباق 400م، وذهبية آسيا في الهند من نفس العام، وكذلك ذهبية البطولة العربية في قطر عام 2013، وذهبية سباق 400م في كوبا، وأجمل الميداليات ذهبية الألعاب الآسيوية الأخيرة في إنشون، فضلا عن برونزية التتابع في ذات البطولة، وذهبية غوانزو عام 2010، وبرونزية في نفس البطولة، كذلك برونزية بريفونتين ضمن الدوري الماسي بالولايات المتحدةالأمريكية، بالإضافة إلى العديد من الميداليات في سباقات التتابع، وكذلك حصولي على جائزة أفضل رياضي في المملكة العربية السعودية عام 2013. • ما قصة حصولك على ذهبية الأولمبياد الآسيوي الأخير الذي أقيم في إنشون؟ - لم تكن هناك قصة، كل ما في الأمر أني قطعت على نفسي عهدا أن أبذل كل ما في وسعي للظفر بهذه الذهبية، التي كانت تعني لي الكثير، وأنا لا أرضى بغير الذهب. • الكل شاهدك في شاشات التلفاز تتمتم ببعض الكلمات بعد حصدك لذهبية سباق 400م الأخيرة في إنشون ماذا كنت تقول؟ - لا أخفيك سرا أن أول كلمة قلتها بعد عبور خط النهاية هي اسم والدتي، التي صدحت به بأعلى صوت على مضمار ملعب إنشون، هذه الأم التي وقفت بجانبي أنا وإخواني بعد وفاة والدي عام 2011 وذلك قبل بطولة الألعاب العربية التي أقيمت بقطر، هذه الفاجعة التي لم تكن لتمنعني من إسعاد أسرتي وتشريف وطني، بتحقيق ذهبية سباق 400م في هذه البطولة، وكان نطقي لاسم أمي، هو رد للجميل الذي أدين به لها. • في رأيك، ماذا ينقص العدائين السعوديين لمقارعة أبطال العالم في المحافل الدولية؟ تزخر المملكة بالعديد من الأبطال والمواهب الشابة في ألعاب القوى، بشهادة الأبطال والمدربين العالمين، ولكن للأسف ينقصهم الاهتمام والدعم، ونحن بحاجة لميزانية أكبر لتطوير هذه الرياضة، حتى تستطيع تغطية المعسكرات المقامة خارج السعودية، بالإضافة إلى إنشاء ملاعب خاصة لهذه اللعبة، ونحتاج إلى لفتة من الرئاسة العامة لإنشاء ملعب خاص لألعاب القوى، وأماكن تدريب وسوف تشاهدون المئات من المبدعين أفضل من يوسف مسرحي. المسرحي.. وحديث المعاناة يوسف مسرحي من مواليد 1987 عمره (27 عاما) يسكن بقرية الغصينية التابعة لمحافظة أحد المسارحة بمنطقة جازان درس في مدرسة الأحد الابتدائية والمتوسطة. يقول يوسف: «أنتمى إلى أسرة بسيطة جدا عرف عنها التواضع والطيبة وحب الخير للآخرين، فقدت والدي عام 2011 قبل بطولة الألعاب العربية والتي أقيمت في الدوحة وغمرتني أمي أنا وإخواني تحت كنفها بكل حب وحنان وبفضل الله صبرت وثابرت وعملت على نفسي كثيرا حتى أصل لما أنا عليه، ورغم انشغالي بتماريني وعشقي لممارسة رياضتي المحببة رياضة الجري التي عشقتها منذ طفولتي إلا أنها لم تكن عائقا أمامي لمواصلة مسيرتي وبفضل الله أنا أخدم وطني حاليا في أحد القطاعات الأمنية»، مضيفا أنه لا يتقاضى أي راتب أو مكافأة مقطوعة رغم أنه تلقى العديد من العروض من أندية الأهلي والهلال والشباب لتمثيلها، وأضاف «أنا أعول 16 فردا من أسرتي بالإضافة إلى والدتي الطاعنة في السن التي لن أنسى أفضالها علي»، مبينا أن المسؤوليات أصبحت مضاعفة بالنسبة لهم خاصة مع توديعه لحياة العزوبية بالزواج وبدء حياة جديدة مع شريكة حياته رغم الظروف التي يمر بها جراء تكاليف التجهيز للزواج بالإضافة إلى قيامه بالبحث عن بيت مستأجر يسكن به مع عائلته، فضلا عن الارتباطات المالية بدفعها لأحد البنوك، مضيفا أنه يضطر إلى استعارة مركبة أحد الأصدقاء من أجل الوصول إلى التمارين أو الذهاب لمقر العمل لعدم امتلاكه سيارة شخصية، لافتا إلى أنه رغم الوعود التي حصل عليها من رجال الأعمال والمسؤولين وبعض من غردوا في حساباتهم في تويتر بدعمه وتقديم مكافأة له بعد تشريفه للوطن خارجيا إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يحصل على شيء أو يصله شيء منهم، موضحا أن رياضيي ألعاب القوى بحاجة إلى الاهتمام والرعاية والدعم أسوة بلاعبي الرياضات الأخرى الذين يجنون الملايين مقارنة بهم رغم عدم توفر الإمكانات في ملاعب الأندية بالنسبة لهم خاصة أن بعض الأندية اهتمامها ضعيف جدا بلعبة ألعاب القوى، مؤكدا أن هناك العديد من المواهب الشابة في منطقة جازان تحتاج إلى الدعم والرعاية حتى يتسنى لها تمثيل الوطن خارجيا، مختتما حديثه بأن الأمير نواف بن محمد لو رحل عن رياضة ألعاب القوى سوف تنتهي هذه الرياضة حيث يعتبر هو الداعم والمساند الوحيد لها.