بعد أن قوض التتار الخلافة العباسية في بغداد وساحوا في العراق يقتلون وينهبون واتجهوا إلى الشام للغزو والسلب، شاء الله أن يقتنع كثير منهم بالإسلام ، وفشا فيهم الدين الجديد بعد أن كانوا وثنيين أو نصارى. لكن عقلية الغزو والنهب والسلب والقتل والتحريق بقيت فيهم، فقانونهم ظل كما هو وإسلامهم لم يتمكن منهم كي يدركوا أن الإفساد في الأرض حرام ولا تسمح به شريعة الإسلام . وقد تصدى لهم شيخ الإسلام في الشام تقي الدين أحمد بن تيمية وقابل سلطان التتار قازان الذي كان يتلهف ويتلمظ لغزو دمشق ونهب ما فيها من خيرات وثروات . واستطاع الشيخ ابن تيمية إقناع السلطان قازان بعدم الهجوم على دمشق والعودة من حيث جاء، ووافق قازان بعد نقاش طويل بينه وبين الشيخ ابن تيمية، لكن بعد يومين انتهك جنود قازان الوعد وعاثوا في أطراف دمشق فسادا وأسروا من قاومهم، فعاد الشيخ ابن تيمية وكلم قازان بكلام فيه صلابة حتى لان ووافق على كف جنده. وطلب منه الشيخ أن يطلق سراح الأسرى فقال لن نطلق إلا الأسرى المسلمين. فقال الشيخ: لا نقبل إلا بإطلاق النصارى واليهود فإن لهم عندنا ذمة، وما زال به حتى أطلق كافة الأسرى. وأراد السلطان أن يكرم الشيخ ابن تيمية ومن معه فبسط لهم مائدة فيها أشهى المأكولات وجلس السلطان ودعا الشيخ ليأكل معه، فامتنع. فسأله السلطان: لماذا لا تأكل معنا ؟ فقال الشيخ: كيف آكل من طعامك وكله مما نهبتم من أغنام الناس ومما طبختموه من أشجار الناس المنهوبة ؟ توقف السلطان عن الأكل .. وطلب من الشيخ ابن تيمية أن يدعو له. فقال الشيخ: اللهم إن كنت تعلم أنه إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فانصره، وإن كنت تعلم أنه قاتل للملك والدنيا فإن تفعل به وتصنع. وعاد الشيخ ومن معه إلى دمشق ببشرى نكوص التتار عن مهاجمة المدينة، إلا أنهم آذوا الناس في أطراف دمشق. وكانت الشام وقتذاك تحت حكم السلطان الناصر محمد قلاوون سلطان مصر .. وقد حاول قتال التتار فانكسر .. وسافر الشيخ ابن تيمية إلى مصر لإقناع السلطان الناصر بمواجهة التتار وقال له «إن خذلت الشام أقمنا له سلطانا ينصره» . فوافق السلطان الناصر على إعداد العدة في مصر ثم عاد الشيخ ابن تيمية إلى دمشق مرورا بغزة .. وحرض الشيخ أهل الشام على القتال .. ولكن بعض الجنود قالوا كيف نقاتل مسلمين مثلنا ؟ فقال الشيخ ابن تيمية: هؤلاء اعتدوا علينا ونجري عليهم أحكام البغاة كما فعل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع الخوارج . وأمر الشيخ طلابه بالرياضة والتدريب على الجهاد وكان هو نفسه في طليعة المتدربين. السطر الأخير : مكر مفر مقبلٍ مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علِ