« رحمة» سيدة في الخامسة والثلاثين من العمر نصحها الأطباء بتحديد نسلها بسبب مشكلات لديها في القلب «رحمة» لديها خمس بنات ورغبة حارقة في أن تنجب ذكرا ، لم تأخذ نصيحة الأطباء يوما مأخذ الجد !! والحجيج وقوفا في «عرفة» حملت «رحمة» إلى المستشفى وكان منظرها يبعث الأسى والحزن .. كانت بين الحياة والموت أنفاسها لاهثة متسارعة وقلبها يدق بعنف .. كانت الطبيبة المشرفة على حالة «رحمة» تتابع نبضات قلبها في الجهة اليسرى ونبضات شرايين عنقها وكان وجهها يسيح منه العرق ولم تكن هناك علامة للحياة سوى العيون التي تطرف في وهن.. كانت «رحمة» تحتاج إلى جراحة عاجلة لإنقاذها وإنقاذ الجنين ولكن الأطباء رأوا أن هناك هبوطا في القلب وأن إجراء العملية في مثل هذه الظروف هو تعجيل بحياة الأم ووقف الأطباء حائرين .. أنهم لايدرون ماذا يفعلون كانت «رحمة» تهتف في اللحظات القليلة التي تفيق فيها إلى رشدها وتستجمع قواها «يارب نجني بحق عرفة من أجل بناتي وزوجي» كانت ترافق «رحمة» أمراة عجوز تبكي في صمت كانت تلك العجوز أم زوجها الذي فضل أن يناجي خالق الحياة في هذا اليوم في حوار منفرد ونداء صادق واتجه إلى «عرفة» وترك رحمة بين رحمة الله كان واضحا أن الأمل ضعيف .. ومع ذلك أخذت الطبيبة تحقنها بأدوية منشطة لعضلة القلب مع بعض العقاقير الضرورية الأخرى لكن الحالة لم تتحسن والدم النازف لم يتوقف والمسكينة في غيبوبة تفيق منها وقتا قصيرا لتعود إليها !! كانت المعركة دائرة بين الحياة والموت .. لكن الموت كان يزحف بقوة ويسيطر على الموقف والحياة تبدو كالشمس الآفلة التي تنحدر في حزن نحو مثواها الأخير كان الجميع يشعر بحزن بالغ .. الكل في وحدة الولادة ينظر إلى رحمة بعتاب شديد وسؤال صامت !! لماذا لم تأخذي نصائحنا مأخذ الجد يارحمة !! لكن مافائدة العتاب والملام .. لقد انتهى الأمر .. وجاء الليل وهدأت الحركة قليلا في المستشفى و«رحمة» راقدة على فراشها دون حراك والمرأة العجوز جلست على الأرض الباردة والملساء العارية تصلي بعد أن غطت وجهها «بطرحة» سوداء وكأنما كانت تودع المسكينة الوداع الأخير وتستشهد على روحها !! فجأة هبت المريضة من نومها واستوت في جلستها وفتحت عينها وصرخت بأعلى صوتها ودهشت الطبيبة وهي ترى الحركة المفاجئة !!!! من أين أتت «رحمة» بهذه القوة التي جعلتها تتحرك وتنهض وتجلس هذه الجلسة !! وقبل أن تتحرك الطبيبة من مكانها صرخت «رحمة» صرخة أخرى فوثبت الطبيبة نحوها لترى وهي لاتكاد تصدق عينها طفلا يخرج إلى الحياة ويتكوم على السرير ويصيح الصيحة الخالدة تلقفته الطبيبة ولفته ونقلته إلى وحدة رعاية المواليد وهي تردد «سبحان من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي» هدأت ضربات القلب الهائجة واستلقت «رحمة» مرة أخرى هادئة الفرحة تكسو وجهها والرضا والإيمان ينبضان في عينيها تهمس الحمد الله وغمغمت الطبيبة قائلة نعم الحمد الله .. لم أكن أتصور أن تشرق عليك شمس الغد !! يارحمة جالك «ولد» ضحكت رحمة لأنها تعتقد أن الطبيبة تداعبها وتهون عليها أجابتها سموه «أنس» !! حضر الأب بعد أداء فريضة الحج وقال، بل نسميه «عرفة» وقد كان .