يتميز القاص محمد ربيع الغامدي بانشغالاته على اللافت والمدهش والأسطوري، بل وغالبا ما تأتي عناوين أعماله السردية والمسرحية محرضة على البحث ومراجعة القواميس، وحول أعماله ومع صدور مجموعته الأحدث «البرطأونات» يقول عن المجموعة: جاء من عنوان واحدة من قصص المجموعة، أما أنا فما عرفت «البرطأونات» تلك وقد بحثت عنها عبثا في معاجم اللغة وقواميس الأسماء فلم أجد لها ذكرا، لكن بطل القصة قال إنها كائنات دقيقة متوحشة لا يمكن تخيلها، شرسة عدوانية تتكاثر بصورة غير منطقية، تحرق الأعين حرقا لترى الأشياء متوهجة ثم يدخل الضحية بعدئذ في أتون فراغ هائل من الوهج المخيف لتتفرغ هي لنزع وتر أخيليس من عقبيه. هل يمكن تصنيفك كاتبا ميثولوجيا؟ لا أظن، رغم اهتمامي بالميثولوجيا ورغم عوالم الميثولوجيا التي أحلق فيها أحيانا، ومع ذلك فالتصنيف ليس من شأني، ما أنا إلا متبتل في محراب الجنون أطوف المدار، لي الحكي وما حوى وللآخرين أن يصنفوا ما شاءوا. ما أبرز مصادر ومراجع الكاتب المسكون بالأساطير؟ أبرز المراجع هي تلك المخيلة الموشاة بالأساطير المحلاة بها، تلك الأساطير التي تعاقبوا من حولك على رصها بنظام أو بغير نظام داخل تجاويف ممتدة من خلف حجاج عينيك ومن منتصف المسافة بين أذنيك حتى سويداء فؤادك، وتلك الفانتازيا التي غافلت فيها عقلك فالتقطت جمرتها وأودعتها قلبك، وتلك البوصلة القلقة التي لا تفتأ تبحث عن الإنسان. * إلى أي حد يمكننا توصيف بعض الروايات والقصص بالأسطورة؟ كل واحدة من تلك هي جمهورية فاضلة، وإن كانت تنضوي كلها تحت راية السرد وبيرق التخييل، التجنيس قال كلمته ومضى، لكن اتكاء رواية ما أو قصة ما على أسطورة من الأساطير ما هو إلا من باب التوظيف أو من قبيل العوالم التي تحلق فيها الرواية أو القصة. هل تتماهى الأسطورة مع المدرسة السريالية أم الصوفية؟ من وجهة نظري، فإن الأسطورة سريالية في لحظات خلقها الأول يوم أن قيل لها كوني فكانت، وهي صوفية في ساعات التلقي الأولى عندما يصبح الكون آذانا تصغي. ما دافع الكتابة الأول؟ دافع الكتابة الأول هو الانكفاء نحو الداخل، حيث الكائن العظيم الذي لم يروض بعد، هناك تعيش جنونك الذي ترتضيه، تتحدث وتضحك وتبكي، تلك لحظات فريدة لا يجوز أن تضيع في زحمة الوجوه والثرثرة من حولنا، اكتب لتحمي جنونك من سطوة عقولهم الفارغة. ألا يمكن القول إنه انتهى زمن الرمزية، ولذا يمكن أن نكتب أدبا واقعيا؟ كلا، لا شيء انتهى، ولا شيء سينتهي إلى أن يرث الله الأرض، قد نصرف النظر عن شيء ونتعلق بآخر، لكن ذلك لا يعطي شهادة وفاة أو صك حياة لأي منهما، سنصرف النظر عن الرمزية التي نتحايل بها على مقص الرقيب، وسوف نكبر نحن والرقيب معا فنكف عن أذية بعضنا، لكننا سوف ندَّخِرها وسيدخر هو مقصه العتيد، أما الرمزية التي نضرب بها الأمثال للناس، فلا تزال هي العرش الذي تستوي عليه الواقعية.