تحتوي بلدنا السعودية على أمكنة وقصص وتواريخ وأحداث يندر أن يوجد لها مثيل في المنطقة. قصص لا حصر لها، شعراء وأنبياء وعلماء مروا على هذه الأرض، حروب دشنت وقصور شيدت وقبور وآثار لم تجد الاهتمام الذي يليق بها، ولولا ما فعله العلماء من توثيق لهذه الأماكن التي كادت أن تندثر وتنسى لماتت تلك الحكايات والتواريخ وأصبحت من روي التاريخ. قبل أيام عرض على قناة «العربية» وثائقي مميز للغاية قام عليه الدكتور عيد اليحيى وعنوانه: «على خطى العرب»، به تقصى أثر الشعراء العظماء العرب الذين نحتوا الشعر كما ينحت الصخر. قصص امرئ القيس وحاتم الطائي وتأبط شرا والخنساء وغيرهم من عمالقة الشعر. تقصى حروب عبس وذبيان، ذهب إلى الجبال والمغارات، وقطع اليحيى مع فريق عمله المسافات الطويلة. وكانت بالفعل حلقة تلفزيونية لا تمل، وهو كما يذكر في حوار مع أخبار قناة «العربية» أيضا استعان بمعاجم البلدان والأمكنة من ياقوت الحموي وصولا إلى حمد الجاسر ومحمد العبودي وابن جنيد وسواهم ممن أرخوا للأمكنة والمناطق الحيوية المتصلة بالتاريخ في البلدان والمناطق السعودية. إنه جهد جبار في الواقع، ومثل هذه البرامج الوثائقية تقوم بما تعجز عنه مؤسسات أحيانا، وتتقاعس عن القيام بمثيل له من أجل إحياء تاريخ وأمكنة نعتز بوجودها في بلداننا. لن نقارن أنفسنا بالأوروبيين وسواهم لجهة الاهتمام بالآثار، بل لنقتدي بلبنان مثلا أو مصر أو الدول المحيطة بنا التي اعتنت بالآثار عناية خاصة واعتبرتها من الكنوز القومية. التحفظات التي طرأت على المستويات القبلية أو الدينية أو الفقهية يجب أن نتجاوزها ذلك أن الزمن تغير والعصر الحالي ليس كالعصور الغابرة، نحن في زمن المعلومة، والفائدة، والوثيقة والأرشفة. شكرا للدكتور اليحيى لقد أمتعنا لغويا وبصريا ونقلنا إلى غياهب تاريخنا الكبير.