منذ سنوات ليست بالقليلة اتصل بي أحد الأدباء يشكو حاله، ويأسف أنه لم يجد من يساعده في مصاريف علاجه التي أرهقته وأرهقت أسرته من بعده. حكى كيف أنه تواصل مع وزارة الصحة يطلب أن تمنحه فرصة للسفر للعلاج في الخارج، لكن أحدا لم ينظر في طلبه. مثل صاحبنا العشرات من الأدباء الذين احتاجوا دعما في شيء أساسي في حياتهم فلم يجدوه عند حاجتهم. فهناك من أحوجته الحياة لتأمين مسكن لأسرته ولم يجد ما يقدمه لهم سوى المزيد من الكتابة التي لا تسمن ولا تغني عن حاجة في مجتمعنا. تفخر الأمم دائما بأدبها وأدبائها، إذ من خلالهم تباهي المجتمعات بإنسانيتها وقدرتها على بناء مجتمع أكثر استيعابا للحياة. رحلة المجتمع العربي مع الأدب والأدباء متناقضة، ففي الوقت الذي نحتفي فيه بالأدب ننسى أن وراء هذا الأدب أدباء أشقتهم الحياة حتى أصبح من يتعاطى الأدب (مسكين)، ويتندر به القوم على أنه ممن أدركته حرفة الأدب. حرفة الأدب حرفة وهمية في عالمنا العربي، لكنها غير ذلك في العالم المتقدم. ويعود ذلك لقدر هائل من حفظ الحقوق التي يفتقدها الأديب العربي. فمهما أبدع وكتب الأديب العربي فلا ينتظر أكثر من الثناء إن حصل عليه، إذ قد تقوده موهبته إلى ما وراء الشمس، لكن تلك مسألة أخرى تتعلق بضيق الحريات التي تخنق الإبداع ولا تسمح بهواء الاختلاف أن يمر للعقول. حرفة الأدب في العالم المتقدم حرفة لها أصولها وقواعدها التي إن لم تجعل الأديب غنيا، تجعله يعيش بأمان ليبدع أكثر. بينما في عالمنا العربي لا أصول للحرفة ولا حقوق فكرية تحفظ له أدبه. إذ تمن عليه دور النشر أن طبعت كتبه وقدمتها للقراء. وإذا لم تأخذ دور النشر من الأديب مقابلا للنشر ضمانا لربحها مقدما، فيعتبر الأديب نفسه منتصرا ويمكنه أن يتباهى أن دار النشر هذه أو تلك قد نشرت مؤلفاته مجانا. إلى هذا الحد وقع الأدباء في البؤس. يذكر نجيب محفوظ أنه كان يستطيع أن يعيش حد الكفاف من دخل كتبه حتى منتصف الستينات الميلادية عندما أخذت دور النشر اللبنانية تطبع مؤلفاته دون إذن منه. يومها، يقول محفوظ، كان علي أن أتكيف مع هذا الواقع الجديد. ولم يسع نجيب محفوظ للمطالبة بحقوقه لأنه يعرف أن حقوق الأديب مهدرة، ولا طائل للمطالبة بها طالما أن هناك من يعتبر أن الأدب من الزوائد والكماليات الاجتماعية، إن حضرت جملت وإن غابت لم تفتقد. يعتقد البعض أن تكريم الأدباء من خلال الجوائز تكريم لهم، وهذا اعتقاد مجانب للصواب من وجهة نظري. فالحقيقة أن الجوائز تخدم أصحابها سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات أكثر من الأدباء أنفسهم. فهي جانب تسويقي على حساب الأدباء، إذ من يظفر بها قلة من الأدباء وفي ظروف بعضها من خارج سياق الإبداع. وفي أحسن الأحوال قد تكون الجوائز منفعة متبادلة. منذ عقد مؤتمر الأدباء السعوديين الأول في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز في عام 1394ه/1974م، جاءت التوصية برعاية الأدباء والاهتمام به، وتخصيص صندوق للأدباء لرعايتهم عند عجزهم أو مرضهم، واستمر هذا النداء بأعلى صوت في المؤتمرات الأخرى، لكن دون أثر أو استجابة عملية، لا أحد يرفض، لكن لا أحد ينفذ. عند مجيء وزارة الثقافة استبشر الأدباء خيرا وظنوا بها ظنا حسنا، ما لبث أن تلاشى هذا الظن، إذ لم يكن من اهتمام الوزارة ولا في مقدورها التنظيمي أن تقر شيئا مثل ذلك. تفهم الأدباء بصبر هذا المأزق القانوني والتنظيمي، لكنه عتبوا على الوزارة أنها لم تقم بمبادرة حقيقة لاستصدار تشريعات وتنظيمات تخص صندوق الأدباء. فإذا لم تحرك وزارة الثقافة ساكنا في هذا الشأن فلا يجب أن ينظر لغيرها بعين العتب. تقدمت لمجلس الشورى مع نخبة من الأدباء بطلب تأسيس اتحاد للكتاب يمثل الأدباء ويدافع عن مصالحهم وحقوقهم. حظى الطلب بنقاش في إحدى لجان المجلس، لكن الأمر لم يتجاوز عتبة المناقشة. لنعد للب الموضوع، هناك أدباء أسهموا في التنمية الثقافية للمجتمع، ولظروف مختلفة وقع بعضهم في العجز والفقر والمرض. واجب الحكومة ممثلة في وزارة الثقافة أن تدعم الأدباء بطريقة تحفظ لهم كرامتهم عبر آليات واضحة وسهلة. ويمكن أن يكون الإسراع في تبني التوصية المتكررة وتفعيلها بإنشاء صندوق للأدباء فرصة لتعويض ما فات. [email protected]