منذ فترة طويلة لم يتعرض رئيس أمريكي لنقد شديد وتهكم إلى حد السخرية في الأوساط الإعلامية الأمريكية ومراكز الدراسات السياسية وتيارات الرأي العام بمختلف توجهاتها مثلما يتعرض له باراك أوباما بعد توجيه تنظيم داعش رسالة قاسية بذبح مواطنين أمريكيين أمام الملأ. فجأة انتصب سؤال كبير في كل قناة تلفزيونية وصحفية: ماذا ستفعل يا أوباما؟. عاد سؤال الإرهاب وهاجس الإرهاب يسيطر على الذهنية الأمريكية وتلتها الأوروبية، لكن أوباما فاجأ الجميع حين غادر ملعب القولف ليقول جملته الصادمة: لا نملك استراتيجية محددة لمواجهة داعش، وبذلك صب مزيدا من الوقود على سمعته وسمعة إدارته واشتعل عليه الهجوم من كل الاتجاهات، فخرج نائبه بايدن ليقدم تصريحا حادا حاول به إعادة بعض التوازن للارتباك الفاضح الذي غرقت فيه إدارة أوباما. في قمة الناتو التي اختتمت قبل يومين استند أوباما على الحلف الذي اعتادت أمريكا على توجيهه بتشكيل تحالف من عشر دول لمواجهة «دولة داعش» ولكن بقراءة الخطوات أو استراتيجية المواجهة التي اتفقت عليها الدول العشر يمكن القول: ما أطولك ليل. فمتى يمكن رؤية النتائج التي سيحققها الدعم العسكري لحكومة عراقية في بلد فقد شكل ومضمون الدولة، أو وقف تدفق المقاتلين الأجانب والتحرك لمواجهة التمويل ونزع الشرعية عنه.. يقول الكاتب يوجين روبنسون من واشنطن بوست بسخرية: هل نحن حقا في حرب مع داعش؟! وربما يردد العالم هذا السؤال وهو يرى هذه القرارات المتأخرة وطويلة المدى وبعد طول تردد، لولاه لما وصل الحال إلى ما وصل إليه. لقد استولى تنظيم داعش على ثلث الأراضي السورية تقريبا وبعض المدن العراقية الرئيسية، ولم يكن له ذلك لو لم تسمح به أمريكا بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة التردد في اتخاذ قرار حاسم منذ بدء الأزمة السورية. التنظيم الآن لديه قرابة خمسة عشر ألف مقاتل، ولديه المال والسلاح والموقع الاستراتيجي، حدث ذلك وأمريكا التي تقود المجتمع الدولي تتعامل مع هذا الوضع الخطير بتلكؤ وميوعة وارتباك والآن بعد أن أصبح الوضع في غاية التعقيد يخرج الناتو بخطة طويلة الأجل لاحتواء داعش لن تتم إلى بعد أن تتحول المنطقة إلى يباب. طبعا لم يكن أحد يرحب بوضع أمريكا أقدامها في المنطقة بعد تجربة العراق وتجارب مثلها، ولم تكن هناك حاجة لذلك لو كان القرار السياسي حادا وحازما واستشرافيا منذ البداية، لكن الحسابات الضيقة وضعف صنع القرار، والافتقار إلى رؤية إنسانية وسياسية شمولية، كل ذلك أدى إلى الخطيئة الأمريكية التي تآكلت معها سمعة إدارة أوباما خارجيا وداخليا. [email protected]