وأقول: سأعود إلى وجوه أصدقائي الطيبين، حينما يزورني الفرح مرة أخرى! لكن لا الفرح يزورني، ولا أنا أعود.. لا لأصدقائي ولا لي! ** يظن أصدقائي أن غيابي خيانة للعهد وللطفولة! ولا يدرون أني أحرث الذاكرة وأشحذ الطفولة.. لأعود لهم بقناديل الفرح القديم! وبأغاني الموج العائد! لكن الفرح يمعن في الغياب! ويصر الموج على «المد»! ويمعن الغياب في الانتظار! فيملكني الحزن وأنساني في الكآبة! ** تلفحني الريح تضرب بقدمها الأرض فتسقط أجنة الحنين ومعها عبق الطين.. تطير الأوراق وتحط مراكب على يدي.. أسقط في فوهة ورقة وأجد في جوفها مرآة! فتعيدني في لحظة إلى مدينتي وإلى أصدقائي دون مؤونة فرح! ولا زوادة سفر! ** كيف أجيئكم بفرح يليق بكم يا أصدقائي، وأنا الظل الذي يختبئ فيه الفرح! وأنا الغزال الذي يشرد في عينيه النوم! وأنا الحياة التي يسكنها الموت! وأنا الطفولة التي تغذي حية النار! وأنا الوجه الذي تخافه المرايا، والحزن الذي تهابه الصور! ** يا أصدقائي لا تلوموني إذا جاءتكم كلماتي مقطعة أو كانت حروفي بالدم ملطخة! لا تتعجبوا إذا خرجت أفكاري مشوشة لا منطقية ولفظت جملي عليكم بعشوائية بدائية! ** كيف آتيكم بكلي يا أصدقائي وأنا موزعة بين أشلاء الشهداء واستشهاد الياسمين على الأجساد! كيف آتيكم بكلي وأنا ممزقة في الميادين بين بقايا «الثورات» ورفات الأحلام! كيف آتيكم ببرعم فرح وحبيبي قد مات! لم يمت شهيدا في ثورة ولا غريقا في محاولة هجرة.. بل مات بسكتة غيبية على شاطئ قلبي! ولأن الدم في بلادي العربية أوسع من البحر وأغزر من الحبر خجلت أن أرثيه أو أن آخذ عزاء فيه!