يبدو المشهد في سوق العقار ضبابيا، كما يصفه الخبراء والمحللون في الوقت الراهن، وتفضيل الغالبية الترقب والانتظار، إلى حين استكمال توزيع القروض والوحدات السكنية للمستحقين، وتختلف الرؤى بين محلل يتوقع انخفاض أسعار العقار مع زيادة نسبة العرض، وآخر يخالفه الرأي نتيجة ارتفاع الأسعار في ظل الزيادة المطردة للسكان، والحاجة المتنامية لوحدات سكنية جديدة. «عكاظ» تفتح ملف العقار لتجلي الغموض، وتستطلع آراء المحللين والخبراء المتخصصين حول مستقبل سوق العقار بالمملكة، وتوقعاتهم له في الفترة المقبلة، والأهم كيفية تطويره إلى الحد الذي يلائم طموحات المواطنين، ولا سيما ذوي الدخل المحدود، ويضع خطوطا واضحة، وحلولا جذرية لمعالجة أزمة الإسكان. يقول عبدالله الأحمري رئيس لجنة التثمين العقاري بالغرفة التجارية بجدة: العقار يمر في الوقت الراهن بمرحلة تخبط سواء من قبل أصحاب العقارات، أو من يسعون إلى فرص الامتلاك نظرا لعدم المصداقية والتشويش الحاصل في السوق. واشار إلى أن الكثير من مكاتب العقار لا تمتلك رؤية واضحة لمستقبل السوق الذي يسوده الآن نوع من الترقب، والحذر من الاستثمار، والإقدام على الشراء، بينما أصحاب العقار يحاولون أن يسوقوا بأن سوق العقار لا يزال متماسكا، وأن الأسعار لن تشهد أية هبوط، وهذا ليس بالتصور الدقيق في ظل القرارات الجريئة التي اتخذتها الدولة بهدف كبح جماح الأسعار، وأبرزها زيادة عرض الوحدات السكنية، وتحويل الأراضي إلى وزارة الإسكان، وإلغاء الشرط الذي ينص على ضرورة امتلاك أرض للتقديم إلى صندوق التنمية العقاري، وكان من نتائج هذا القرار أن تقدم في خلال 36 ساعة أكثر من 1300000 مواطن، كما تم الاتفاق مع البنوك لتسهيل القروض للمواطنين. وأصبحت الحاجة للسكن ملحة الآن في ظل ارتفاع ايجارات الشقق إلى حد يثقل كاهل المواطنين. ورأى أن نظام جباية الزكاة الذي فرض على جميع الأراضي، سيساعد في تطويرها، وإدخالها ضمن المنظومة التخطيطية، مما سيفتح المجال لزيادة العرض عن الطلب وهنا يكمن التصحيح الفعلي لسوق العقار. مؤشر عقاري جديد كما خطت وزارة العدل خطوة تحسب لها حينما أطلقت المؤشر العقاري الذي يسجل الحراك العقاري والنسبة الفعلية لمبيعات العقار، ويقدم خارطة طريق، وإحصاءات دقيقة للباعة والمستثمرين، لافتا إلى المؤشر العقاري الذي ستطلقه الغرفة التجارية قريبا، والذي يوضح المخططات السكنية وأسعارها، يعطي الطمأنينة للمشترين والمستهلكين. وانتقد وزارة الاسكان، مشيرا أنها منحت امتيازات كبيرة، ولكنها لم تستغلها وإجراءاتها تتسم بالبطء الشديد، ولم تقدم شيئا على أرض الواقع يلبي طموحات المواطنين، بالإضافة إلى التناقض والتضارب الملحوظ في تصريحات المسؤولين المنتمين إلى الوزارة. والمطلوب أن تضاعف جهودها، وأن تساهم في رفع معاناة المواطنين من ذوي الدخل المحدود، ومساعدتهم على امتلاك المسكن المناسب بالسعر الملائم الذي يتفق مع مستوى دخولهم. وينتقد الأحمري أداء المطورين الوطنيين لسوق العقار، لتركيز اهتمامهم على تحقيق أكبر قدر من الأرباح، وليس تطوير السوق العقاري، وقدر احتياجات السوق بمليوني وحدة سكنية خلال العشر سنوات القادمة، مطالبا بشركات أجنبية متخصصة تساهم في سد احتياجات السوق. ورأى أن سوق العقار يعاني حاليا من حالة ضبابية، أدت الى إحجام الكثيرين عن الشراء نتيجة لتضارب المعلومات، وعدم الثقة بوضع السوق في المشهد الراهن. مدن مصغرة من جهته يقول خالد جمجوم الرئيس التنفيذي لشركة سيدكو: «تعيش دول أجنبية كثيرة مثل بريطانيا على سبيل المثال حالة من الأمان النسبي في الاستثمار العقاري في ظل رضى المستثمرين بالأرباح المعقولة، والتي تتراوح بين 7 - 8 %، بينما الاستثمار العقاري لدينا ترتفع فيه نسب المخاطرة، مشيرا إلى أن غالبية المستثمرين يطالبون بهامش ربح أعلى يتجاوز 25 %، وأقترح بناء مدن أو ضواح صغيرة بأسعار مناسبة تتوفر فيها المواصلات المناسبة، والخدمات اللازمة، لكافة الفئات لمعالجة أزمة الإسكان. أنظمة جديدة لسوق العقار وشاركنا الرأي عبدالله محسن (موظف في إحدى شركات العقار) قائلا، المالك هو المتحكم في سوق العقار، ويفرض الأسعار التي يريدها، والمواطن هو المتضرر الأول، ومن هذا المنطلق نطالب بأنظمة جديدة تضبط أسعار أسواق العقار، بشكل يوازي بين التكلفة والشراء، وفقا للمواصفات، وليس لرغبة المالك الخاصة، والذي لن يتجاوز فكره في الغالب حدود الأرباح. يقول عبدالله زيد (محلل عقاري)، المشهد العقاري يمر الآن بمرحلة ضبابية كبيرة، فالمستثمرون الأساسيون الذين يمتلكون مخططات خاصة متمسكون بجميع ما يملكون من مخططات وأراض، والراغبون بالشراء مترددون، في انتظار ما سينتج بعد بدء العمل بالخطة الجديدة لمنح المواطنين القروض والمساكن. وتوقع استمرار عملية الترقب لمدة عام آخر إلى حين بدء توزيع الوحدات السكنية واستكمال عملية منح القروض لكافة مراحل الإسكان. وتوقع انخفاض أسعار الأراضي في الأماكن البعيدة بنسبة تترواح بين 10 % - 30 %، وأن تكون في متناول العديد من الفئات بينما المخططات القريبة من المدن والتي يوجد بها خدمات داخل النطاق العمراني لن يكون هناك نزول في أسعارها على حد تعبيره. وأضاف، أن حالة التخبط التي يمر بها سوق العقار في الوقت الراهن لن تستمر طويلا لأن اقتصادنا قوي. استغلال المساحات الشاسعة وعن أبرز الحلول التي يقترحها يقول: لدينا مساحات شاسعة قريبة من المدن وذلك بين مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وجدة، وفي الجنوب ومنطقة الليث، ونحن بحاجة لاستغلال تلك المناطق في بناء مدن مصغرة جديدة، تتوفر فيها كافة الخدمات، وتشرف الدولة على تنظيمها، وتضع حدا مناسبا لأسعارها بالشكل الذي يضمن حقوق المشتري والمستثمر والمطور العقاري، ومثل هذه المدن ستحقق في حال إنشائها العديد من الفوائد، أبرزها انخفاض أسعار العقار المرتفعة، واستقرارالسوق، كما ستوفر المساكن بأسعار ملائمة لذوي الدخل المحدود، وتخفف من حالة الزحام الشديد والاختناقات المرورية التي تعاني منها المدن الرئيسية كجدة والرياض والدمام. وطالب بشركات عالمية عملاقة، تساهم في تطوير سوق العقار بالمملكة، لأن المطورين العقاريين لدينا للأسف كل تفكيرهم يتركز في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، غير مكترثين بحالة الفوضى التي يشهدها سوق العقار، وارتفاع الأسعار، وتردي أوضاع السوق، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة، والدعم اللا محدود التي تقدمه في هذا الجانب. ويقول مسفر بن خير الله: سوق العقار بحاجة إلى ضبط وإعادة تنظيم ودراسات جادة وفعالة لتحديد المشكلات التي يعاني منها أولا ومعرفة الأسباب، وجوانب الإخفاق ليتسنى الانطلاق من أسس علمية ومنهجية للعلاج تلك المشكلات، وتوفير بيئة عقارية آمنة، ومتوازنة، ومحفزة للاستثمار وهناك الكثير من الأفكار التي من الممكن أن تساهم في تطوير سوق العقار ولكننا بحاجة إلى منهجية متكاملة تقدم خارطة طريق لتطوير سوق العقار في السنوات القادمة. البيروقراطية هي السبب من جهته يقول عبدالله البلوي خبير عقاري: شهدت أسعار العقار في العامين الأخيرين ارتفاعا حادا في الأسعار بين60 – 100 %، مشيرا إلى أن سعر المتر المربع ارتفع في حي الحمراء على سبيل المثال من 6000 ريال إلى 12000 وأحيانا يصل إلى 14000 ريال. كما تجاوز سعره في حي الصفا 4500 ريال، في حين لم يكن يتعدى 2500 ريال، وأرجع ذلك إلى زيادة الإقبال على مدينة جدة التي تمثل بيئة جاذبة للاستثمار وحاضنة للكثير من المشاريع، وأرجع ضعف أداء المطورين الوطنيين لصعوبة الإجراءات التي تواجههم، وتحد من رغبتهم الجادة في التطوير، مشيرا إلى أن إصدار (الكروكي) من الأمانة أحيانا يستغرق أربع أو خمس سنوات (على حد تعبيره). وهي مدة طويلة تستنزف جهد المطور العقاري. وطالب الأمانات مساعدة المطورين العقاريين، وتسهيل الإجراءات لهم ليتمكنوا من أداء عملهم على نحو أفضل، لافتا الى مناطق تعاني من الإهمال كأبحر الشمالية، فرغم أنها منطقة مأهولة بالسكان، غير أنها تعاني من ضعف الخدمات البلدية مثل الكهرباء والسفلتة. كما أن جزءا من ارتفاع أسعار الأراضي في تلك المنطقة وغيرها بعض الشروط التي تفرضها الأمانة وفي مقدمتها تطوير البنية التحتية بالنظام الجديد، وهي تكلفنا قرابة 300 ريال في المتر المربع، ولاتؤدي الغرض المطلوب لأن المطور هناك ينتظر مدة طويلة إلى أن تكتمل الخدمات ويتمكن من البناء، وطالب بأن تعيد الأمانة النظر في هذا الجانب، وأن يقتصر تطوير البنية التحتية بالنظام الجديد في الأماكن التي تقع داخل المدن، وأن يكون تطوير البنية التحتية في المناطق البعيدة طبقا للنظام القديم، الذي لا تتجاوز 30 ريالا لكل متر مربع. وهذا الشيء سيعود نفعه علينا كمستثمرين ومطورين عقاريين، وعلى المشتري أيضا، لأنه سيساهم بشكل أو بآخر في استقرار الأسعار، كما طالب بأن تتوسع أراضي المنح في بناء العمائر، وألا تقتصر على الفلل السكنية، لنتمكن من توفير أكبر قدر ممكن من المساحة، واستثمارها بأنسب الطرق. الزيادة السكانية والوحدات السكنية ويقول المهندس عبدالمنعم مراد عضو اللجنة التطويرية بالغرفة التجارية بجدة إن الأراضي التي تقع خارج حدود المدينة هي التي تعاني من المضاربات، والاشاعات والتكهنات المختلفة، بينما الأراضي داخل المدن عليها إقبال كبير، وطبقا لإحدى الدراسات فإن نسبة العجز المتوقع كل سنة حوالي 120 ألف وحدة سكنية. كما توقعت الدراسة أن يبلغ عدد سكان المملكة بنهاية عام 2025 م 36 مليون نسمة. وينبغي التخطيط من الآن لاستيعاب تلك الزيادة، والتي ستزيد قطعا من الحاجة إلى مزيد من الوحدات السكنية. وأعرب عن اعتقاده بأن الأسعار ستزيد في غضون خمس سنوات على خلاف توقعات بعض المترددين في امتلاك المساكن والذين يتوقعون انخفاض الأسعار خلال تلك الفترة، وطالب بقوانين جديدة تقنن عمل الوسيط العقاري، كتلك الأنظمة المعمول بها في سنغافورة، والولايات المتحدة، والنرويج وهو نظام التسجيل أو الإشهار التجاري، الذي يسجل كل تفاصيل عملية البيع، وحجم المبلغ الذي تقاضاه الوسيط، وتوفر المعلومات الكاملة للشخص الراغب بالاستثمار أو الشراء العقاري، مطالبا في الوقت نفسه بالقضاء على الضبابية الموجودة في سوق العقار بالشفافية، والمصداقية، ووضوح المعلومة، وتوفرها بسهولة وإعداد خطة استراتيجية طويلة المدى لتطوير سوق العقار تلبي طموحات المواطنين، وتراعي احتياجات كافة شرائح المجتمع، وعلى وجه الخصوص الطبقة المتوسطة، والفئة محدودة الدخل.