جاء في بعض تصريحات معالي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصحف تأكيده على أن العمل في الهيئة يسير وفق مبدأ (لا غلو ولا تطرف ولا تجسس ولا تصيد ولا ظلم). وهذه المبادئ التي يجري العمل في الهيئة وفقا لها، هي بلا ريب مبادئ سامية تمثل السلوك الشرعي الحق، فالتصرفات التي تخالف هذه المبادئ هي تصرفات تنافي الخلق الإسلامي الصحيح وربما أوقعت من يأتيها في الإثم، لذلك فإن الالتزام بها فيه مصلحة عظيمة ليس للناس فحسب بل أيضا للمحتسبين أنفسهم، حيث يتمكنون عند التزامهم بتلك المبادئ من ضبط تصرفاتهم والبقاء دائما على الخط المستقيم، فينجون بأنفسهم من مغبة الوقوع في الظلم والتعدي على الغير دون وجه حق. إلا أن المشكلة في تلك المبادئ التي يطرحها معالي الرئيس، تتمثل في كونها مفاهيم مبهمة في مضامينها، فهي باستثناء (التجسس) تبدو عائمة هلامية لا شكل محددا لها يعرفها به المحتسب كي يتقيد بها، ويمكن للهيئة محاسبته متى حاد عنها، مثلا هل لدى الهيئة توصيف واضح محدد للسلوك المتطرف أو المغالي أو المتصيد الذي نهى عنه معالي الرئيس؟ متى تعد الهيئة سلوك المحتسب تطرفا أو مغالاة أو تصيدا؟ وهل تقدم الهيئة لمنسوبيها، خاصة الميدانيين منهم دورات تعريفية توضح لهم صفات تلك المفاهيم، كي يتمكنوا من معرفة الحدود التي ينتهي عندها دورهم؟ والأمر الآخر، هل توجد لدى الهيئة بنود خاصة بعقوبات تطبق على من يخالف تلك المبادئ فيتجاوز ما رسم له من حدود؟ إن الهيئة في حاجة إلى وضع توصيفات دقيقة وجلية لما يدخل في اختصاص عمل المحتسبين واطلاع الناس على ذلك وليس أعضاء الهيئة فقط، فمن حق الجمهور معرفة ما يدخل ضمن صلاحيات أو مسؤوليات عضو الهيئة وما لا يدخل. لعله من أعسر ما يعقد دور الهيئة، عدم وضوح اختصاصاتها وغموض ذلك في أذهان العاملين فيها، فبعض المهام التي تقوم بها الهيئة الآن فيها تداخل مع عمل جهات حكومية أخرى مثل الشرطة والبلدية والداخلية، حيث لا تبدو حدود واضحة تفصل بين الاختصاصات. مهمة الهيئة حسبما يوحي به اسمها، يتركز في قيام أفرادها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنهم ناصحون ومذكرون، وهذا الدور يختلف عن دور الشرطة وفرق الأمن التي من مهامها مطاردة المجرمين وتعقب المخالفين والقبض عليهم، لكن بعض مناصري الهيئة لا يرون ذلك هم يتوقعون من أفراد الهيئة أن يكونوا (محاربين) فيخوضون معارك مع الناس تتطلب الشدة والشجاعة والفتك حتى صار البعض يلقبهم بالأسود!! إلا أن هذه المهمة الفاضلة ليست قتالا ولا فتكا، وإنما هي مجرد (دعوة) للمعروف و(نهي) عن المنكر، الأصل فيها الرحمة واللين وحسن الظن والتماس العذر للناس، {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، أما متى تجردت من ذلك فإنها تفقد سمو مكانتها، فتهبط لتصير عملا دنيويا، لا يميزها شيء عن غيرها من مؤسسات حفظ النظام.