دخلت الخطوط السعودية، مطلع الأسبوع، في حقبة جديدة من حقب التطوير التي يتطلع لها عملاء الناقل الوطني قبل منسوبيها بكل تفاؤل، ولا سيما بعد إنجاز مراحل الخصخصة الأساسية. يقف المهندس صالح الجاسر على هرم المؤسسة العريقة برؤية جديدة، متكئا على خبرات متراكمة في النقل البحري والتسويق والخصخصة والإدارة المتقدمة، إذ أدار العديد من القطاعات الحيوية، وأحدث فيها نقلة نوعية في الإدارة والتشغيل والتسويق، وهذا ما سيعكف عليه في مهماته المقبلة كما هو متوقع. التحديات أمام الجاسر كبيرة، وكبيرة جدا، في ظل المنافسات العملاقة في صناعة النقل الجوي والركود الذي يصاحب إدارة شركات الطيران، وقبل أن يباشر مهماته الجديدة أيقن ذلك وأعلنها بكل شفافية بأن الخطوط السعودية بها كفاءات كبيرة، ومتى ما توفرت لهم الظروف المناسبة فسيكون لهم دور كبير في النهوض بالمؤسسة لمواكبة التطلعات لتلبية رغبات عملاء المؤسسة من مواطنين وغيرهم. العلاقة بين الناقل الوطني والعملاء لا تعتمد فقط على السعة المقعدية التي باتت محدودة في ظل احتدام المنافسة على المستوى الإقليمي والدولي، والذي يتطلب استيعاب أعداد المسافرين على المستوى المحلي، ويجب أن يتم خلاله توفير السعة المقعدية التي تلبي احتياجات العملاء داخليا وخارجيا ورفع كفاءة التشغيل ومستوى الخدمات، لكن العلاقة مرتبطة وجدانيا كونه ظل لعقود طويلة الناقل الجوي الوحيد، والذي سيدخل في العام المقبل في منافسات كبرى مع دخول شركات منافسة في سوق النقل الجوي، وهذا ما يتطلب أيضا إعادة رسم الخطط وهيكلة الرحلات وتسييرها في مواعيدها بدقة وانضباط وزيادة أعداد الموظفين في الحجز المركزي والرد الآلي؛ لمواكبة الطلب المتزايد على المقاعد. المرحلة المقبلة ستشهد الانتهاء من مشاريع البنى التحتية للمطارات، والتي تتطلب أن يتم فيها تحديث الأسطول بما يتماشى مع المرحلة والتخلص من استئجار الطائرات التي تشوه سمعة الخطوط السعودية، ولا سيما أن خدماتها دون المستوى، ولا بد أن يتزامن ذلك مع إعادة النظر في عمليات التشغيل، خصوصا أنه لا تتوفر طائرات بديلة يمكن من خلالها معالجة وضع الرحلات المتأخرة بسبب الأعطال المتكررة للرحلات المجدولة والأساسية، وهذا يكلف المؤسسة مبالغ تعويضات تصرفها في تأمين السكن وتعويض المسافرين. «السعودية» فرغت من إنجاز مراحل الخصخصة، وخرجت من إطار كونها مؤسسة حكومية إلى شركة سوف تدخل غمار المنافسة بعيدا عن الروتين في القطاع العام، ويتبقى أن تعلن عن إنشاء الشركة القابضة التي ستحدث نقلة نوعية في الأداء والإنجاز، وهذا ما يتطلع له المراقبون والعملاء على أنه المنقذ الوحيد لإدارة الناقل الوطني، وفق معايير السوق ورفع قدرته على المنافسة والاستجابة للمتغيرات والتحديات التي تطرأ على سوق الطيران المدني الذي ينمو بسرعة كبيرة، خصوصا بعد انضمامها قبل عامين إلى تحالف «سكاي تيم» ثاني أكبر تحالف في سوق الطيران العالمي. الإرث الذي يحمله المهندس الجاسر عن سلفه كبير، والملفات المتراكمة في الخطوط السعودية كبيرة جدا، تبدأ من المديونيات وتمر بالخصخصة والتشغيل وزيادة الموارد المالية إلى تحسين الصورة الذهنية لدى العملاء، وكلها بحاجة إلى قرارات شجاعة وفاعلة في إنجاح العمل المؤسساتي الذي يتطلب ضخ دماء جديدة، وقيادات خلاقة قادرة على مواكبة المرحلة التطويرية المقبلة، وإصلاحات في الأنظمة والخطط، والصفوف الأمامية، والتي لها علاقة مباشرة مع الجمهور بعيدا عن الفوقية، ومحاصرة المحسوبية، وصولا إلى الإدارات الذكية المترابطة التي تستطيع دخول غمار المنافسة، والبدء من حيث انتهى الآخرون لمجاراتهم، بل لتجاوزهم.