من المفيد والمهم استمرار عمليات تدوير القيادات الإدارية في المؤسسات والشركات العاملة لدى القطاعين العام والخاص، فمن شأن ذلك أن يساعد في الغالب على تعزيز الإنجاز، أو تصحيح المسار، وكلا الأمرين يخدم القدرة الإنتاجية والتنافسية كما يحقق في الوقت نفسه رضا العميل أو المستهلك، وهو الهدف النهائي لهذه المؤسسات! ومن ثمَّ فلا غرابة من ذلك التفاؤل والرضا النسبي الذي صاحبَ قرار تعيين معالي المهندس صالح بن ناصر الجاسر مديراً عاماً جديداً للخطوط السعودية، على أمل أن يساعد هذا القرار في تطوير وتحسين منظومتها التشغيلية والإدارية، ومعالجة الملفات العالقة، خاصَّة أن معالي المهندس -كما جاء في سيرته الوظيفية-يتمتع بخبراتٍ متراكمة في مجالات العمل القيادي في العديد من شركات القطاعين العام والخاص! وإن كان ذلك بطبيعة الحال ليس كافياً لوحده! من المؤكد أنَّ المدير الجديد في انتظاره العديد من المهام، والملفات الاستراتيجية، في ظل المتغيرات التي تشهدها صناعة وسوق النقل الجوي! واحتدام المنافسة على المستوى الاقليمي والدولي، لاستيعاب النمو المُطّرِد في أعداد المسافرين! ومع دخول سوق النقل الجوي السعودي شركات منافسة ابتداءً من العام القادم، كما هو متوقع! لن أتحدث في هذا المقال، والمقام، عن ملف الخصخصة، علماً بأنَّه مطروحٌ منذ عهد المدير السابق، وإن لم يكن بصورة جيدة وفاعلة! وهو على العموم ملفٌ مُعقد يحتاج لكثيرٍ من الوقت، والجهد، والعمل! والتعاطي معه بصيغٍ احترافية ومهنية! في تقديري، أنَّ الأهم في هذه المرحلة، والأكثر إلحاحاً ينصب حول معالجة القصور الشديد نسبياً في تلبية الطلب الكلي المتزايد على مقاعد الناقل الرسمي، بتوفير السَّعة المقعدية لتغطيته! فهذه الإشكالية تؤرق عملاء السعودية، وهم معها في معاناة دائمة، خاصَّة في مواسم الإجازات، ويعظم أثرها، في بلدٍ، مثل المملكة، بمساحتها الجغرافية الشاسعة، وبُعد المسافات بين مُدنها، ومحافظاتها، وقراها! وحين يكون الخيار الآخر "الناقل البري" صعباً وشاقاً لتدني منظومته الخدمية واللوجستية بشكلٍ صارخ ومُحبط! هذا القصور المُزمن، يتطلب بالضرورة رفع كفاءة التشغيل، ومستوى الخدمات المُقدمة! مع الأخذ في الاعتبار المشروعات الاقتصادية القائمة والقادمة، بما يخص إنشاء وتحديث العديد من المطارات في المملكة! والتي سوف تدفع بدورها إلى زياداتٍ إضافية في معدلات الطلب الكلي على مقاعد الطائرات السعودية! إلى جانب أنَّ ذلك من متطلبات وشروط المنافسة في سوق الطيران المحلي والإقليمي والدولي! وكذلك من مُحفِزات انضمام الخطوط السعودية لتحالف " سكاي تيم " ثاني أكبر تحالف في سوق الطيران الدولي! هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ومن بوابةٍ أشمل، على معالي المدير الجديد إعادة هيكلة المنظومة الإدارية والتنظيمية، والإلكترونية، لجهة تطوير وتحسين منتجاتها، ورفع كفاءتها الإدارية والتنظيمية، والتشغيلية، إذا أراد أن يكون للخطوط السعودية موقع تنافسي مميزاً بين شركات الطيران الإقليمية والدولية! وهذا الأمر يفرض عليه، قراراً شجاعاً بتدوير قيادات الصف الأول والثاني! والتخلص من العناصر التي تتعامل بمنطق الفوقية والاستعلاء وعدم الانضباط، خاصَّة الذين يتعاملون مباشرة مع جمهور العملاء أو المسافرين! فالعنصر البشري الكفء مؤشر أساسي لنجاح العمل المؤسسي، والعكس تماماً صحيح! فلا مناص إذن من بناء معاليه لمبادرات خلاَّقة، وإصلاحات بنيوية في تخطيط وإدارة الموارد البشرية، يُتيح ضخ دماء وقيادات ذات مسؤولية مهنية عالية تتوفر لديها المهارات الإدارية والفنية والتنظيمية (القيادات الذكية)، لنشر منظومة من الممارسات وقِيم العمل، تتصل مباشرة بأساليب الأداء، واحترام الآخرين، وتطوير المهارات، وروح المبادرة والإبداع، وثقافة التنافس، وإدارة الوقت، ونظام الترقيات والمكافآت، والعلاقة مع المستفيدين والعملاء، وإدارة الأزمات... الخ. مسك الختام: نأمل من معالي المدير الجديد للخطوط السعودية وقف، أو الحدّ من مشروعات الاستئجار إذ كانت ستظل على نمط الطائرات المستأجرة حالياً، ذات المقاعد الضيقة والتي لا تتناسب مع الثمن المدفوع، وتُشكل مصدر معاناةٍ لبعض شرائح المسافرين، مثل كبار السن والعجزة والسِمَان! * شذرة: اضرب بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب