شهدت مناطق ومدن ومحافظات وقرى مملكتنا الغالية في السنوات الأخيرة نموا سكانيا متسارعا تجاوز كل التوقعات والخطط، لم تستطع الدوائر الحكومية مواكبة هذا النمو خاصة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية والبنية التحتية من مرافق صحية وتعليمية وشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات، إضافة إلى خدمات البلديات وذلك نظرا لاتساع رقعة مملكتنا ووعورة بعض مناطقها ولغياب التخطيط السليم المبني على النظرة المستقبلية البعيدة المدى، لذا أصبح الحل الوحيد للمواطن الانتقال للعيش في المدن الرئيسية لتوفر الخدمات الأساسية ووجود فرص تعليمية وصحية ووظيفية له ولأبنائه، ولقد استمر هذا الزحف لحين وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- بإنشاء أكثر من 20 جامعة في مختلف مناطق ومدن المملكة ومنذ ذلك القرار الحكيم فقد بدأ إيقاف الزحف السكاني للمدن. ولقد نتج عن هذا النمو السكاني المتسارع شبه اندماج بين العديد من المدن والمحافظات والمراكز والقرى ولكن بقيت مستقلة عن بعضها البعض، إما لوجود تنظيم إداري مستقل أو لتمسك البعض من السكان باسم المحافظة أو القرية (خاصة أن مكان ميلادهم يرمز لتلك المحافظة أو القرية) أو لعدم وجود آلية لدمج المحافظات. نحن اليوم أمام واقع وتحديات ومستقبل وطن ومواطن يتطلب إيجاد حياة كريمة للمواطن وتلبية احتياجاته أينما كان، لذا فإن فكرة دمج بعض المحافظات والمراكز والقرى مع بعضها خاصة ما ينطبق عليها مقومات الاندماج لتقاربها من بعض أو لوجود شبه اندماج على أرض الواقع، والذي سوف يبشر بولادة مدن نموذجية تتحقق فيها المتطلبات الأساسية لحياة المواطن من تعليم وصحة وتوفر خدمات وفرص وظيفية مع مراعاة عدم الالتزام بالأسماء الحالية فأغلبها حديثة بعمر المدن والقرى ولا يوجد تاريخ يوجب التمسك بالاسم القديم، إضافة إلى أنه سوف يكون المعوق الأساسي للاندماج تحديد اسم المدينة النموذجية، لذا يقترح اختيار أسماء مدن جديدة لما بعد الاندماج. كما أن توحيد وتجميع الدوائر الحكومية في مكان متوسط بين المحافظات بحيث تتوفر فيه جميع الخدمات وعلى مستوى عال من الجودة سوف يساهم في الحد من استنزاف وتشتيت الجهود وبالتالي توفير ميزانيات ضخمة للدولة، وتخفيف الأعباء على المواطن وتقديم خدمات متميزة له، فبدلا من توزيع مستشفيات صغيرة في كل محافظة، يكون هناك مستشفى كبير يحتوي على جميع التخصصات والكوادر الطبية في مختلف المجالات، وبدلا من كلية تابعة لجامعة تكون جامعة فيها كليات وأقسام مختلفة وهكذا بالنسبة لبقية الدوائر الحكومية. نحن ندرك أن أية فكرة سوف يقابلها العديد من التحديات والصعوبات وهذا أمر طبيعي، ولكن يجب التركيز على المصلحة المستقبلية للوطن والمواطن معا، بغض النظر عن المصالح أو القناعات الشخصية، وحبذا لو بادرت أمانات المناطق البالغة 13 منطقة إدارية باختيار مدينة نموذجية واحدة في كل منطقة ووضع تصور مبدئي لهذة المدينة النموذجية وتقديم الدعم اللازم لتحقيقها بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، أو قيام وزارة التخطيط ووزارة الشؤون البلدية والقروية بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى بإعداد دراسة أولية لإعداد نموذج مدن متوسطة الحجم يتراوح سكانها ما بين 100.000 إلى 400.000 نسمة، على أن يتم تخطيط هذه المدن النموذجية الواعدة بحيث تتوفر فيها جميع الخدمات الأساسية التى يحتاجها ويتطلع لها المواطن مع مراعاة تخطيط المدن ونطاقها العمراني وشوارعها بطريقة تكفل أي توسع مستقبلي وتخصيص مواقع للمرافق التعليمية بما في ذلك الجامعات منذ البداية، بالإضافة إلى تخصيص مواقع للمرافق الصحية والمستشفيات يراعى فيها التوزيع الجغرافي للمدينة، إضافة إلى تأسيس شبكات المياه والكهرباء والاتصالات مما يحد من الزحف السكاني للمدن الرئيسية بشكل كبير بل سوف يساهم في الهجرة العكسية من المدن الرئيسية إلى المدن النموذجية متوسطة الحجم، وهذا سوف يوفر الكثير والكثير للدولة والمواطن معا. لذا فإن دمج بعض المحافظات والمراكز والقرى مع بعضها وتأسيس مدن متوسطة الحجم سوف يكون حلما للكثير من المواطنين، فهل سيتحقق ذلك؟