مشكلتنا في الدول العربية أننا نعتبر كل كاتب غربي بمثابة نبي مرسل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأنه إذا كتب فيجب أن يصدق بدون نقاش وبدون فحص للأجندة التي تقف خلف آرائه و(تقولاته) وتخرصاته. وهذه هي حالنا مع كل شيء (غربي) بعد أن فقدنا الثقة بكل شيء عربي، من كثرة ما قال الغربيون إنهم هم الأصدق والأوثق والأكثر أمانة في الكتابة والنقل. ولم أكن يوما أصدق أو أثق بكثيرين من كتاب الغرب ومحلليه السياسيين؛ لأنني على يقين بأن هؤلاء الكتاب لا يصدرون، في كل ما يكتبونه أو يقولونه، من مواقف مبدئية، بل هم محسوبون بشكل أو بآخر على وظائف استخباراتية تقع ضمن ما يعرف بالحروب الإعلامية التي تمهد الطرق للمكاسب العسكرية والسياسية التي تسعى إليها دولهم أو الأجندات التي تقف خلفهم والمضادة لهذه السياسات أو تلك. مؤخرا بلغ سيل الوقاحة الزبى حين كتب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست مقالة رخيصة ومفضوحة اتهم فيها السعودية بالتحالف مع إسرائيل للعدوان على غزة. وبدون وثائق أو مستندات دبج في تلك المقالة كل ما يحلو له من الكلام المرسل الذي لم يكن له قصد سوى الإثارة والتكسب السياسي والإعلامي في مغالطات صارخة لحقائق التاريخ والواقع. هيرست نفسه، قبل غيره، يعرف الموقف السعودي المبدئي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ليس الآن أثناء العدوان على غزة فحسب، بل في كل مفاصل هذا الصراع خلال العقود الماضية وفي كل محطات الحرب والسلام التي شهدها هذا الصراع. وبالتالي كان على السيد هيرست، لو أراد أن يثبت مصداقية الكاتب الغربي ومصداقيته هو بالذات، أن يعود إلى الملفات السعودية الحقيقة تجاه القضية الفلسطينية ليبني تحليله السياسي على الحقائق وليس على المغالطات الفجة التي أراد من خلالها فقط أن يسيء إلى صورة المملكة وشعبها. وهي إساءة سترتد عليه لأن أي إنسان عاقل في هذا العالم يعرف أن المملكة، كما جاء في رسالة سفيرها في لندن محمد بن نواف إلى هيرست، تلتزم بدعم وحماية حقوق جميع الفلسطينيين في تحديد مصيرهم وتكريس سيادتهم، وبأن الادعاء بأنها تدعم العدوان الإسرائيلي هو «بصراحة وقاحة بشعة». وإذا كان هيرست لا يعلم فإن إسرائيل، كما قالت رسالة السفير، لا تدافع عن نفسها بل تقتل الأطفال الأبرياء وعائلات بأكملها. وإزاء هذه الحقيقة نريد أن نمتحن مصداقيته.