هناك شك كبير أنه يوجد في هذا العالم إنسان يحب ويحترم الخبز أكثر مني، وإذا أراد أحد أن يعذبني فليعزمني على مائدة عامرة فيها كل مالذ وطاب، ولكن دون خبزة واحدة. لهذا إذا كنت في جدة فلا يشتري خبز بيتي غيري، وإذا كنت في باريس مثلا فإني أصحو من فجر رب العالمين، متحينا الفرصة لأول مخبز يفتح لأشتري منه (الباغيت) الساخن، وأقضم نصفه وأنا سائرا بالشارع. وإنني على يقين لو أن ربي لو لم يخلقني إنسانا، لخلقني من القوارض التي تعتاش على الخبز. ورغم إعجابي (بالمطبخ الصيني) إلا أنني أتحاشاه بقدر ما استطيع لأنه لا يقدم هذا الصنف من الطعام، وسبق لي أن أحرجت نفسي، عندما دخلت واحدا من تلك المطاعم بعد أن دسست خبزة في جيبي، وعندما اكتشف (الغرسون) فعلتي تلك، ما كان منه إلا أن يستدعي (الشف) البطران، وبعدها بدأت محاضرة طويلة من التهزئة كادت تودي بي إلى الطرد، ولا أنسى أنه نتش الخبزة من أمامي وكأنه ينتش قلبي. وأنتم تلاحظون أن عنوان مقالاتي الثابت هو (سنابل النهار) وهو دلالة واضحة على تعلقي بهذه السنابل التي لو لاها لما كان الخبز، الذي يعتبر أعظم اختراع اخترعه الإنسان في حياته، وهو لا يقل عظمة عن عظمة اكتشاف الإنسان للنار. وعرفت متأخرا أن أغلب الخبازين في مدينة الطائف التي قضيت طفولتي ويفاعتي فيها، كانوا هم من إخواننا أهل اليمن، وأكد لي صديقي (أبو شاكر) وهو عميد طيار متقاعد ولا يزال من سوء حظه حيا يرزق ولم يمت بعد، أكد لي أن أؤلائك الخبازين كانوا يعجنون الخبز بأقدامهم، الواقع أنني بعد أن عرفت هذه المعلومة الرهيبة حتى فجعت، وفي نفس الوقت استغربت كيف أن ذلك الخبز الذي أكلته كان من ألذ الخبز، ولا زلت أحن إليه مع أن (كبدي الآن حامت) ، ولكن بعد إيه؟! وما أبعد تلك الأقدام الغليظة الحافية، عن أقدام الصبايا في إيطاليا. ولكي أزيدكم معلومة من عندي فيقال وإلى وقت قريب، إنهم كانوا إذا أرادوا أن يعصروا العنب، يختارون أجمل البنات الصبايا ممن تتراوح أعمارهن ما بين (14 و20 سنة) على شرط أن تكون البنت جميلة وسالمة من الأمراض ثم يجبرونها على غسل وتنظيف ساقيها وقدميها، ويأتون بها مع زميلاتها، ليدهكن بأقدامهن الناعمة حوضا من الخشب ممتلئا بعناقيد العنب الأحمر على أصوات الأغاني والموسيقى، لتصب عصارتها في أوعية، لتكون بعد ذلك لذة للشاربين. الله أكبر.