دنيانا خداعة، تذيقنا دفء الأحباب حتى لا نملك إلا حبهم، ثم تفاجئنا بقدرة الله عز وجل بفراقهم، فلا حبيب يدوم ولا سعادة تبقى .. فاللهم اكتب لنا السعادة الأبدية بلقاء من نحب في جناتك.. لي غالية اسمها أم عبدالرحمن نورة بنت محمد الدخيل وقد فزت بأن أكون أحد أحفادها فهي جدتي لأمي. كنت طيلة حياتي أنظر إلى تفاصيل حياة هذه الغالية بكل تمعن فقد كانت راضية مرضية، تحب الناس وتحب لقاءهم ونفعهم. تحب من حولها ولا تتعب في السؤال عن أحوال الصغير والكبير. جدّة أجد في قلبها الحب والدفء مثلي كمثل أي حفيد لها فلا تفرق بين القريب والبعيد منهم. دعواتها لي بالخير والفلاح ترن في أذني دائما حتى كانت هذه الدعوات هي من يشجعني ويدفعني للنجاح في كثير من مراحل حياتي.. وفي كل وقت آتي مسرعا لزيارتها وتبشيرها بأخباري السارة فتتفاعل معي وتبارك لي وكأن هدفها الوحيد هو علو شأني وتوفيقي في دنياي. قررت إكمال دراستي العليا في إحدى الجامعات الاسترالية فكانت أولى أمانيها لي التوفيق والنجاح، ولكنها ألحت عليّ بألا أبدأ هذا المشوار إلا بزوجة. وفي كل مرة تنصحني بأن الزوجة الصالحة تسعد النفس وتذهب الغربة وتعين على مصاعب الحياة. وكانت دائما ما تسأل الله عز وجل بدعاء لن أنساه ما حييت ( الله يرزقك الحبيبة الرضية). وقبل السفر زرتها لتوديعها فكانت في أشد الفرح بحفيدها العريس الذي حقق رغبتها بالزواج. ودعتها وهي في سعادة عظيمة ورضا تام ولسانها يلهج كالعادة بالدعوات الصادقات بأن يوفقني الله في دراستي ويحفظني ويرجعني إلى الديار سالما غانما. ودعتها وكلي آمل في لقياها في إجازتي القادمة. ودعتها ولم يرد في ذهني أن وداعي سيكون آخر لقاء لي بها. نعم كان الوداع الأخير فقد توفيت غاليتي نورة ليلة الجمعة الماضية بعد أن بلغها ربها شهر رمضان المبارك. ودعت أم عبدالرحمن أحبابها بعد صلاة الجمعة وقريب الناس وبعيدهم يجمعون على حسن خلقها ورحابة مجلسها، ويشهدون بأنها امرأة صالحة ذاكرة، لرحمها واصلة. تقدر الكبير، وترحم الصغير، وتحسن للضعيف. ودعها أحبابها أما أنا ففي غربتي أغالب الحزن على فراقها وقليل في حق أم عبدالرحمن الحزن والدموع. إلى أهلي وأحبابي.. إلى كل من حزن على غاليتي.. من وراء البحار والمحيطات ومن أمام الشواطئ الاسترالية أرسل التعازي، فأحسن الله عزاءنا في أم عبدالرحمن وألهمنا الله الصبر على فراقها وفراق مجلسها وطيبتها وحنانها، وأعاننا الله في برها وتحقيق أملها في التواصل والاجتماع. ودّعت الغالية وقُبلت فيها التعازي وغادرت الجموع، وقلب طفلها وحفيدها المغترب ما زال مليئا بحزن فراقها البعيد.. فاللهم اغفر لأمي وغاليتي نورة الدخيل وارحمها واسكنها فسيح جناتك، اللهم جازها عن أبنائها وأحفادها خيرا وأجزل لها المثوبة. اللهم آنسها في وحدتها وفي وحشتها وفي غربتها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة وافسح لها في قبرها مدّ بصرها وافرش قبرها من فراش الجنة، اللهم انزلها منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين، اللهم انزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا،.