لم يعد بالإمكان تأجيل الحسم في قضية كركوك.. ذلك النزاع المؤجل بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد منذ سنين.. العراق يتفكك والكل يفكر في اقتسام الكعكة.. حديث التقسيم بات دارجا (عراقيا) وإن كان هناك أفق للتقسيم، فكركوك هي «المقياس» وجس النبض لمخاوف تقسم العراق. طالما اعتبر رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أن كركوك قلب كردستان العراق، وهو ما يجمع عليه كل الأكراد. ويعود الصراع على كركوك بشكل واضح عقب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، حيث انتظر بارزاني موقفا أمريكيا داعما يحسم النزاع في هذه المنطقة لصالحه، إلا أن واشنطن نأت بنفسها عن التدخل؛ لعدم رغبتها في بت النزاع لصالح الأكراد، ولحساسية المسألة إقليميا، خاصة على الجانب التركي الذي يعتبرها خطا أحمر، وحين بات واضحا للأكراد أن الإدارة الأمريكية غير مستعدة لمنحهم هدية بحجم كركوك وإغضاب الحكومة المركزية في بغداد ودول الجوار، اندفع البارزاني في مايو الماضي قائلا «إن أصدقاءنا الأمريكيين خذلونا». وهي إشارة البدء في رغبة القيادات الكردية حسم الأزمة محليا عبر فرض الأمر الواقع والاحتكام إلى المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على إجراء إحصاء سكاني واستفتاء حول ما يقرره السكان وإعادة انتشار قوات البيشمركة في المنطقة، إلا أن الاحتكام إلى هذه المادة لا يخلو من الجدل القانوني بين حكومة بغداد والإقليم، إذ تقضي المادة بضرورة تطبيقها قبل نهاية العام 2007 وهو ما يراه الجانب العربي أمرا بات غير قانوني؛ نظرا لانتهاء المدة المتاحة لتطبيقها، أضف إلى ذلك، الاتهام العربي للأكراد أنهم هجروا العديد من العائلات العربية من كركوك وما حولها ومارسوا ذات السياسات التي انتهجها نظام صدام حسين السابق عندما أخل في التوزيع الديموغرافي واستبدل عائلات كردية بأخرى عربية، ومن يمكن فهم أبعاد دعوة رئيس الإقليم لتنظيم الاستفتاء. في الواقع، ثمة شكوك وعدم ثقة تساور العرب والأكراد تجاه بعضهم البعض، يبدو ذلك واضحا من خلال سعي كل طرف لتأكيد سيطرته على أرض الواقع، فعقب سقوط نظام صدام حسين في أبريل 2003 عملت القيادة الكردية في الشمال على نشر قوات البيشمركة في كركوك وما حولها لفرض الهيمنة وتغيير واقع جغرافي، وبسبب الفوضى الأمنية التي اجتاحت العراق وشلل الحكومة لم تتمكن من كبح هذه التحركات الآحادية، لكن سرعان ما ردت بغداد فور التحسن الأمني النسبي ونشرت الفرقة 12 من الجيش العراقي في كركوك آواخر العام 2008 ما أثار استياء الجانب الكردي وتفاقم الأزمة. تتمتع كركوك بأهمية اقتصادية كبيرة، حيث تنتج 4 في المائة من النفط العالمي، ناهيك عن التركيبة العرقية الحساسة من عرب وأكراد وتركمان وأقليات أخرى وهو ما يجعلها مخزونا عرقيا محتقنا جاهزا للانفجار في أية لحظة في حال حسم مصير المنطقة لصالح طرف دون مراعاة الآخر.