لن تمل الأقلام والأصوات المخلصة لهذا الوطن من طرق أبواب المتغافلين عن مسؤوليتهم تجاه هذا المجتمع الذي حققوا على أرضه ثرواتهم، وحصلوا من أبنائه على ملياراتهم، وقد سبق أن تطرقت ضمن جوقة من منابر الإعلام إلى تغافل بنوكنا ومصارفنا عن هذه المسؤولية رغم تضخم عوائدها. ثم جاء تصريح صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، يصف هذه البنوك بعبارة شعبية زاخمة بالإشارات والتنبيهات التي تصل حد التحذيرات على مرجعية قائلها يحفظه الله وموقعه في صناعة القرار. «بنوكنا كالمنشار طالع آكل نازل آكل»، معلنا هذه الحقيقة على الملأ في عبارة صريحة بل صادقة لكنها الحقيقة، فبنوكنا لم تكتف بالربح المعظم على استثمار الودائع وتوظيفها تقليديا، بل أغرت المجتمع حتى أغرقته بقروض ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وكم من مشاكل اجتماعية ومالية سببتها هذه القروض للمساكين المغرر بهم من المقترضين، وهكذا سارت حركة المنشار في الاتجاهين تنخر في اللحم. ولا شك أن المسؤولية المجتمعية ليست قاصرة على البنوك والمصارف، كما أن التهاون فيها ليس حكرا عليها، فهذه النقلة النوعية التي يقودها بكل البذل والإصرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رعاه الله لا بد أن تستمد زخمها وتعضد قواها، بانتفاء ثقافة الاتكالية القائمة على أن الحكومة هي المسؤولة عن كل شيء والتحول إلى ثقافة التكامل بين جهود القطاعين الحكومي والخاص؛ ليسهم كل بدوره في دفع عجلة الحلم السعودي إلى موقع الحقيقة، فكل الدول التي تقدمت حققت نجاحاتها عبر هذا الجسر، ونحن نسمع مثلا عن تبرعات بيل جيتس وغيره بمئات المليارات من الدولارات للأعمال الخيرية الإنسانية، كما نجد أن أهم جامعاتهم ومستشفياتهم بل وأنجحها هي من مخرجات القطاع الخاص، إلى غير ذلك في مجالات الدور الحيوي لرأس المال الخاص في صناعة نهضة الدول. وفي هذا السياق، وحسبما تناقلته وسائل الإعلام عن مجلة فوربز الشرق الأوسط، هناك 39 سعوديا تصدروا قائمة الأثرياء العرب لعام 2014م بثروة تناهز في مجموعها 95 بليون دولار، وهنا لا بد أن يطرح السؤال نفسه: ماذا قدم هؤلاء وغيرهم أفرادا وشركات من خدمات مجتمعية لصالح الوطن والمواطن؟! وأين دور الشركات الكبرى تحديدا في تمويل مشروعات الخدمات العامة، وفي رأب الصدع الاجتماعي بحماية محدودي الدخل ورعايتهم؟ في التعليم والتدريب والمشافي... إلخ. ماذا قدمت شركات الاتصالات، وشركات الصناعات البتروكيماوية، وشركات المقاولات الخاصة العملاقة على سبيل المثال وغيرها، والنجوم من رجال المال والأعمال؟! صحيح أن هناك بعض الشركات قدمت بعض الإرهاصات، منها معاهد تدريب الشباب السعودي وتأهيله لسوق العمل التي تبنتها شركات مثل عبداللطيف جميل، ونسما، وعبدالرحمن فقيه، ودله، ونزر بسيط من الشركات الأخرى، لكنها تظل دون المستوى المنشود وتحتاج إلى البناء عليها من لدن رعاتها، ناهيك عن الفراغ الحاصل في أدوار الصامتين الآخرين تجاه هذا الواجب الوطني الأصيل. لا بد من وقفة مع النفس، وإعادة الحسابات، والأخذ في الاعتبار أن نجاح هؤلاء الأثرياء ما كان ليتحقق على هذا النحو إلا بتحرير مناخ الاستثمار في هذه البلاد من كل المكوس والضرائب التي تثقل كاهل المستثمر في غير مكان، وتناصفه عائد استثماراته، إذ تصل النسبة في بعض الدول المتقدمة إلى 40%، بينما لا يدفع المستثمر هنا سوى الزكاة المفروضة شرعا 2.5% من صافي الأرباح، وقد يظن رجل الأعمال أنه يكفيه أداء هذه الزكاة فحسب، ناسيا ومتناسيا أن الزكاة ما هي إلا الحد الأدنى (الجبري) لتزكية المال، وأن أبواب الثواب تصل إلى سبعمائة ضعف لمن ينفق من صدقات في سبيل الله، وتحت هذه المظلة تنضوي كل المشروعات الخيرية التي تخدم المصلحة العامة للوطن والمواطن. وبهذه المناسبة.. أتوجه إلى رجال المال والأعمال برسالة مواطن لا يزال يرتقب منكم أداء الواجب، كما أقدم لكم مشروعا أوليا يثبت حسن النوايا ويقوم على إعداد دراسة علمية وافية يتبناها رجال المال والأعمال عبر تجمع الغرف التجارية والصناعية عن متطلبات السوق من الأيدي العاملة، وفي المقابل حصر العاطلين عن العمل وتأهيلهم لسد هذه الشواغر، بإنشاء معاهد علمية تقنية للتدريب المهني ملحقة بالنشاط الموازي تنتشر في كل محافظات المملكة، وابتعاث نخب منهم لمراكز تدريب عالمية، ويمكن لممولي المشروع اشتراط مدة معينة يلتزم المتدرب الخريج بالعمل خلالها لدى الممول، ولكم في تجربة مشروع درء أخطار الأمطار والسيول في جدة المثل والقدوة، إذ تبنى المشروع تدريب عشرات المهندسين السعوديين داخل المملكة وخارجها، ثم استفاد المشروع من خبراتهم في مراحله اللاحقة، وأزعم أن هذا المشروع هو الفريضة المجتمعية الغائبة التي يجدي تفعيلها كثيرا في انحسار ظاهرة البطالة؛ لأن استمرار فرض الشباب السعودي غير المدرب على السوق مجرد نقش على الماء، كما أن الدولة ليست المسؤولة الوحيدة عن حل الأزمة ولديها عصا سحرية لحل كل مشكلات الحياة بصفة عامة، فالمشكلات حزمة مترابطة بين الأفراد والمجموعات بين الحكومة والأهالي المقتدرين، فدفع الركن الثالث للإسلام وهو الزكاة لا يعفي الأثرياء من المساهمة في بناء إنسان هذا الوطن.