الكرم الحقيقي كما نعتقد لا يكمن فقط في الذبح والسلخ وتقديم صحون الرز المخلوط بالإسراف وحلم خلود الأحاديث والذكر عند الركبان، وإنما يتجلى في البشاشة ومساعدة المحتاج، وفعل المعروف بدون أن يعرف الآخرون بذلك. ولكن تتجلى قمة (الكرم) عند فصيلة المهايطي، في ذبح الخراف على وجه التحديد، والإكثار من الرز واللحم، وإخبار كل أهل الحارة، بدعوتهم، ليشهدوا ويشيدوا بذلك، وعند المهايطي الميسور والأكثر تطرفا، تجده في بعض المناسبات لا يتورع عن ذبح (الحاشي)، وجعله يتربع الوسط وتحيط به الخراف المطبوخة من كل جانب! والبعض يعرض على الضيف أو الوجيه، من باب أضعف الإيمان والعرض فقط، فلو كان يعلم بأن المعروض عليه (الضيف) يقبل بالوليمة لما أقدم على ذلك، فتجده يلح ويصر على أن الغداء أو العشاء عنده. فهناك نوعية من المهايطين الأذكياء، تجده يعرف نفسية المعزوم الذي لن يقبل العرض ولا يحب تكليف الناس وعدم حبه للإسراف أو بأن العرض ليس لوجه الله وإنما ربما تكمن مصلحة أو قضية.. فيلح عليه، لأنه يعلم بأنه لن يوافق! أو يعرض عليه عندما علم بأن (المعزوم) لم يوافق على علان وفلان اللذين سبقاه في دعوة الضيف، فيلح ويصر ما دامت الحكاية عرضا وتسجيل موقف بلا فاتورة! لكن البعض ربما يقع في شر (كرمه) وينكشف للجميع! كالذي حدث مع أحدهم. كان دوما يلح على أحد الوجهاء في (تشريف منزله)، والوجيه باستمرار كان يرفض. ذات يوم أصر على الوجيه بأن يدخل منزله، ليبارك الله المنزل. وافق الوجيه على مضض. العازم أسقط في يده، لم يكمل العرض، ولم يطلب تحديد الموعد.. وصارت الحكاية موضع تهكم وسخرية الوجيه وعائلته لكن على الأقل سلم من عروضه المتكررة! كان أحدهم وهو مستور الحال، وهو يعاني من داء (الكرم) المبالغ به. كلما رأى الوجيه الفلاني القادم لزيارة مدينته، يولم له بأسمن الخراف، وذات يوم قابل (الوجيه) هذا (الأحدهم) ومعه أولاده، فلبى نداء الوجيه على الغداء، لكنه كان في قمة الغضب، فالغداء كان على (بنات المذن) أي على دجاج. يقال إن الرجل وهو جالس على الطعام، (معزرمه نفسه) كان يلمس الأكل فقط. لم يأكل، بسبب شعوره بعدم التقدير اللازم! لكن عندما خرج من دار الوجيه، وهو في طريقه لمدينته، تسلم ظرفا من مضيفه، عندما فتحه، وجد مبلغا من المال (70 ألف ريال). ويقال إن المبلغ جاء في وقته، ليساعده في إكمال بناء بيته! [email protected]